استيلاء أبي كرب تبان أسعد على ملك اليمن وغزوه إلى يثرب
قال ابن إسحاق : فلما هلك ربيعة بن نصر رجع ملك اليمن كله إلى حسان بن تبان أسعد أبي كرب - وتبان أسعد هو تبع الآخر - ابن كلكي كرب بن زيد وزيد هو تبع الأول بن عمرو ذي الأذعار بن أبرهة ذي المنار بن الريش - قال ابن هشام : ويقال الرائش - قال ابن إسحاق : بن عدي بن صيفي بن سبأ الأصغر بن كعب كهف الظلم بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث ، بن قطن ، بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن العرنجج ، والعرنجج : حمير بن سبأ الأكبر بن يعرب بن يشجب بن قحطان .
قال ابن هشام : يشجب بن يعرب بن قحطان .
قال ابن إسحاق : وتبان أسعد أبو كرب الذي قدم المدينة ، وساق الحبرين من يهود المدينة إلى اليمن ، وعمر البيت الحرام وكساه وكان ملكه قبل ملك ربيعة بن نصر .
قال ابن هشام : وهو الذي يقال له
ليت حظي من أبي كرب
أن يسد خيره خبله
قوم تبع
فصل وقوله في نسب حسان بن تبان أسعد : هو تبان أسعد . اسمان جعلا اسما واحدا ، وإن شئت أضفت كما تضيف معدي كرب وإن شئت جعلت الإعراب في الاسم الآخر وتبان من التبانة وهي الذكاء والفطنة . يقال رجل تبن وطبن .
وكلكي كرب اسم مركب أيضا وسيأتي معنى الكرب في لغة حمير عند ذكر معدي كرب - إن شاء الله تعالى - وكان ملك كلكي كرب خمسا وثلاثين سنة وكان مضعفا ساقط الهمة لم يغز قط .
وقوله في نسب حسان ابن تبان أسعد وتبان الأسعد [ هو ] تبع [ الآخر ] نقص من النسب أسماء كثيرة وملوكا ; فإن عمرا ذا الأذعار كان بعده ناشر بن عمرو ، ويقال له ناشر النعم [ بن عمرو بن يعفر ] وإنما قيل له ناشر لأنه نشر الملك واسمه مالك . ملك بعد قتل رجعيم بن سليمان عليه السلام بالشام ، وهو الذي انتهى إلى وادي الرمل ، وماتت فيه طائفة من جنده جرت عليهم الرمال وبعده تبع الأقرن وأفريقيس بن قيس الذي بنى إفريقية وبه سميت وساق إليها البربر من أرض كنعان وتبع بن الأقرن وهو التبع الأوسط وشمر بن مالك الذي سميت به مدينة سمرقند ، ومالك هو الأملوك وفي بني الأملوك يقول الشاعر
فنقب عن الأملوك واهتف بيعفر
وعش جار عز لا يغالبه الدهر
وقد قيل إن الأملوك كان على عهد منوشهر ، وذلك في زمن موسى - عليه السلام - كل هؤلاء مذكورون بأخبارهم في غير هذا الكتاب .
وعمرو ذو الأذعار كان على عهد سليمان ، أو قبله بقليل وكان أوغل في ديار المغرب وسبى أمة وجوهها في صدورها ، فذعر الناس منهم فسمي ذا الأذعار وبعده ملكت بنت بلقيس هداهد بن شرحبيل صاحبة سليمان - عليه السلام - واسم أمها يلمقه بنت جني ، وقيل رواحة بنت سكين . قاله ابن هشام . وزعم أيضا أنها قتلت عمرا ذا الأذعار بحيلة ذكرها ، وأنه سمي ذا الأذعار لكثرة ما ذعر الناس منه لجوره وأنه ابن أبرهة ذي المنار بن الصعب وهو ذو القرنين بن ذي مراثل الحميري ، وأبوه أبرهة ذو المنار سمي بذلك لأنه رفع نيرانا في جبال ليهتدي بها .
وأما حسان الذي ذكر فهو الذي استباح طسما ، وصلب اليمامة الزرقاء وذلك حين استصرخه عليهم رباح بن مرة أخو الزرقاء ، وهو من فل جديس وقد تقدم الإيماء إلى خبرهم .
ومعنى تبع في لغة اليمن : الملك المتبوع وقال المسعودي : لا يقال للملك تبع حتى يغلب اليمن والشحر وحضرموت . وأول التبابعة : الحارث الرائش وهو ابن همال بن ذي شدد وسمي الرائش لأنه راش الناس بما أوسعهم من العطاء وقسم فيهم من الغنائم وكان أول من غنم فيما ذكروا .
وأما العرنجج الذي ذكر أنه حمير بن سبأ ، فمعناه بالحميرية العتيق . قاله ابن هشام ، وفي عهد زمن تبع الأوسط - وهو حسان بن تبان أسعد - كان خروج عمرو بن عامر من اليمن من أجل سيل العرم ، فيما ذكر القتبي .
وأما عمرو أخو حسان الذي ذكر ابن إسحاق قصته وقتله لأخيه . فهو المعروف بموثبان . سمي بذلك للزومه الوثاب وهو [ السرير ] الفراش وقلة غزوه . قاله القتبي .
سبب غضب تبان على أهل المدينة
قال ابن إسحاق : وكان قد جعل طريقه - حين أقبل من المشرق - على المدينة ، وكان قد مر به في بدأته فلم يهج أهلها ، وخلف بين أظهرهم ابنا له فقتل غيلة فقدمها وهو مجمع لإخرابها ، واستئصال أهلها ، وقطع نخلها ، فجمع له هذا الحي من الأنصار ، ورئيسهم عمرو بن طلة أخو بني النجار ، ثم أحد بني عمرو بن مبذول ، واسم مبذول عامر بن مالك بن النجار ، واسم النجار تيم الله بن ثعلبة ، بن عمرو ، بن الخزرج ، بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو ، بن عامر . عمرو ابن طلة ونسبه
قال ابن هشام : عمرو ابن طلة عمرو بن معاوية بن عمرو بن عامر بن مالك بن النجار ، وطلة أمه وهي بنت عامر بن زريق ، بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج .
وأما ما ذكره من غزو تبع المدينة ، فقد ذكر القتبي أنه لم يقصد غزوها ، وإنما قصد قتل اليهود الذين كانوا فيها ، وذلك أن الأوس والخزرج كانوا نزلوها معهم حين خرجوا من اليمن على شروط وعهود كانت بينهم فلم يف لهم بذلك يهود واستضاموهم فاستغاثوا بتبع فعند ذلك قدمها وقد قيل بل كان هذا الخبر لأبي جبيلة الغساني وهو الذي استصرخته الأوس والخزرج على يهود فالله أعلم .
والرجل الذي عدا على عذق الملك وجده من بني النجار هو مالك بن العجلان فيما قال القتبي ، ولا يصح هذا عندي في القياس لبعد عهد تبع من مدة ملك بن العجلان .
وخبر ملك بن العجلان إنما هو مع أبي جبيلة الغساني حين استصرخت به الأنصار على اليهود ، فجاء حتى قتل وجوها من يهود . وأما تبع فحديثه أقدم من ذلك . يقال كان قبل الإسلام بسبعمائة عام والصحيح في اسم أبي جبيلة : جبيلة غير مكنى ، ابن عمرو بن جبلة بن جفنة وجفنة هو غلبة بن عمرو بن عامر ماء السماء . وجبيلة هو جد جبلة بن الأيهم آخر ملوك بني جفنة ومات جبيلة الغساني من علقة شربها في ماء وهو منصرف عن المدينة .
وذكر أن تبعا أراد تخريب المدينة ، واستئصال اليهود ، فقال له رجل منهم له مائتان وخمسون سنة الملك أجل من أن يطير به نزق . أو يستخفه غضب وأمره أعظم من أن يضيق عنا حلمه أو نحرم صفحه مع أن هذه البلدة مهاجر نبي يبعث بدين إبراهيم . وهذا اليهودي هو أحد الحبرين اللذين ذكر ابن إسحاق ، قال واسم الحبرين سحيت والآخر منبه . ذكر ذلك قاسم بن ثابت في الدلائل وفي رواية يونس عن ابن إسحاق ، قال واسم الحبر الذي كلم الملك بليامين ، وذكر أن امرأة اسمها : فكيهة من بني زريق كانت تحمل له الماء من بئر رومة بعدما قال له الحبران ما قالا ، وكف عن قتال أهل المدينة ، ودخلوا عسكره فأعطى فكيهة حتى أغناها ، فلم تزل هي وعشيرتها من أغنى الأنصار حتى جاء الإسلام ولما آمن الملك بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأعلم بخبره قال
شهدت على أحمد أنه
نبي من الله باري النسم
فلو مد عمري إلى عمره
لكنت وزيرا له وابن عم
وجاهدت بالسيف أعداءه
وفرجت عن صدره كل هم
وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب القبور وذكره أيضا أبو إسحاق الزجاج في كتاب المغازي له أن قبرا حفر بصنعاء فوجد فيه امرأتان معهما لوح من فضة مكتوب بالذهب وفيه هذا قبر لميس وحبى ابنتي تبع ماتا ، وهما تشهدان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا أدري أتبع لعين أم لا وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لا تسبوا تبعا ; فإنه كان مؤمنا فإن صح هذا الحديث الأخير فإنما هو بعدما أعلم بحاله ولا ندري : أي التبايعة أراد غير أن في حديث معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لا تسبوا أسعد الحميري ، فإنه أول من كسا الكعبة فهذا أصح من الحديث الأول وأبين حيث ذكر فيه أسعد . وتبان أسعد الذي تقدم ذكره وقد كان تبع الأول مؤمنا أيضا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الرائش وقد قال شعرا ينبئ فيه بمبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول فيه
ويأتي بعدهم رجل عظيم
نبيء لا يرخص في الحرام
وقد قيل أنه القائل
منع البقاء تصرف الشمس
وطلوعها من حيث لا تمسي
اليوم أعلم ما يجيء به
ومضى بفصل قضائه أمس
وطلوعها بيضاء مشرقة
وغروبها صفراء كالورس
تجري على كبد السماء كما
يجري حمام الموت في النفس
وقد قيل إن هذا الشعر لتبع الآخر [ وقيل لأسقف نجران ] ، فالله أعلم ومن هذا أخذ أبو تمام قوله
ألقى إلى كعبة الرحمن أرحله
والشمس قد نفضت ورسا على الأصل
قصة مقاتلة تبان لأهل المدينة
قال ابن إسحاق : وقد كان رجل من بني عدي بن النجار ، يقال له أحمر عدا على رجل من أصحاب تبع حين نزل بهم فقتله وذلك أنه وجده في عذق له يجده فضربه بمنجله فقتله وقال إنما التمر لمن أبره ، فزاد ذلك تبعا حنقا عليهم فاقتتلوا ، فتزعم الأنصار أنهم كانوا يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل فيعجبه ذلك منهم ويقول والله إن قومنا لكرام .
فبينا تبع على ذلك من قتالهم إذ جاءه حبران من أحبار اليهود ، من بني قريظة - وقريظة والنضير والنجام وعمرو - وهو هدل - بنو الخزرج بن الصريح بن التومان بن السبط بن اليسع بن سعد بن لاوي بن خير بن النجام ، بن تنحوم ، بن عازر ، بن عزرى ، بن هارون بن عمران ، بن يصهر بن قاهث ، بن لاوي بن يعقوب - وهو إسرائيل - بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن - صلى الله عليهم - عالمان راسخان في العلم حين سمعا بما يريد من إهلاك المدينة وأهلها ، فقالا له أيها الملك لا تفعل فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها ، ولم نأمن عليك عاجل العقوبة فقال لهما : ولم ذلك ؟ فقالا : هي مهاجر نبي يخرج من هذا الحرم من قريش في آخر الزمان تكون داره وقراره فتناهى عن ذلك ورأى أن لهما علما ، وأعجبه ما سمع منهما ، فانصرف عن المدينة ، وأتبعهما على دينهما ، فقال خالد بن عبد العزى بن غزية بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار يفخر بعمرو بن طلة
أصحا أم قد نهى ذكره
أم قضى من لذة وطره
أم تذكرت الشباب وما
ذكرك الشباب أو عصره
إنها حرب رباعية
مثلها آتى الفتى عبره
فاسألا عمران أو أسدا
إذ أتت عدوا مع الزهره
فيلق فيها أبو كرب
سبغ أبدانها ذفره
ثم قالوا : من نؤم بها
ابني عوف أم النجره ؟
بل بني النجار إن لنا
فيهم قتلى ، وإن تره
فتلقتهم مسايفة
مدها كالغبية النثره
فيهم عمرو بن طلة م
لى الإله قومه عمره
سيد سامى الملوك ومن
رام عمرا لا يكن قدره
وهذا الحي من الأنصار يزعمون أنه إنما كان حنق تبع على هذا الحي من يهود الذين كانوا بين أظهرهم وإنما أراد هلاكهم فمنعوهم منه حتى انصرف عنهم ولذلك قال في شعره
حنقا على سبطين حلا يثربا
أولى لهم بعقاب يوم مفسد
قال ابن هشام :
الشعر الذي فيه هذا البيت مصنوع فذلك الذي منعنا من إثباته .
غريب حديث تبع
ذكر فيه فجد عذق الملك . العذق النخلة بفتح العين والعذق بالكسرة الكباسة بما عليها من التمر وذكر في نسب قريظة والنضير عمرا ، وهو هدل بفتح الدال والهاء كأنه مصدر هدل هدلا إذا استرخت شفته وذكره الأمير ابن ماكولا عن أبي عبدة النسابة فقال فيه هدل بسكون الدال .
وذكر فيه ابن التومان على وزن فعلان كأنه من لفظ التوم وهو الدر أو نحوه .
وفيه ابن السبط بكسر السين وفيه ابن تنحوم بفتح التاء وسكون النون والحاء المهملة وهو عبراني ، وكذلك عازر ، وعزرى بكسر العين من عزري .
وقاهث ، وبالتاء المنقوطة باثنتين . وهكذا وقع في نسخة الشيخ أبي بحر . وفي غيرها بالثاء المثلثة وكلها عبرانية . وكذلك إسرائيل وتفصيله بالعربية سري الله . وقوله في شعر خالد بن عبد العزى : أصحا أم قد نهى ذكره . الذكر جمع ذكرة . كما تقول بكرة وبكر ، والمستعمل في هذا المعنى ذكرى بالألف وقلما يجمع فعلى على فعل ، وإنما يجمع على فعال فإن كان أراد في هذا البيت جمع : ذكرى ، وشبه ألف التأنيث بهاء التأنيث فله وجه قد يحملون الشيء على الشيء إذا كان في معناه .
وقوله ذكرك الشباب أو عصره أراد أو عصره . والعصر والعصر لغتان . وحرك الصاد بالضم قال ابن جني : ليس شيء على وزن فعل بسكون العين يمتنع فيه فعل .
وقوله إنها حرب رباعية . مثل . أي ليست بصغيرة ولا جذعة . بل هي فوق ذلك وضرب سن الرباعية مثلا ، كما يقال حرب عوان . لأن العوان أقوى من الفتية وأدرب .
وقوله عدوا مع الزهره . يريد صبحهم بغلس قبل مغيب الزهرة وقوله أبدانها ذفره يعني : الدروع . وذفرة من الذفر . وهي سطوع الرائحة طيبة كانت أو كريهة . وأما الدفر بالدال المهملة فإنما هو فيما كره من الروائح ومنه قيل للدنيا : أم دفر وذكره القالي في الأمالي بتحريك الفاء وغلط في ذلك والدفر بالسكون أيضا : الدفع .
وقوله أم النجرة . جمع ناجر والناجر والنجار بمعنى واحد وهذا كما قيل المناذرة في بني المنذر والنجار وهم تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج ، وسمي النجار لأنه نجر وجه رجل بقدوم فيما ذكر بعض أهل النسب .
وقوله فيهم قتلى وإن تره . أظهر إن بعد الواو . أراد إن لنا قتلى وترة والترة الوتر فأظهر المضمر وهذا البيت شاهد على أن حروف العطف يضمر بعدها العامل المتقدم نحو قولك : إن زيدا وعمرا في الدار فالتقدير إن زيدا ، وإن عمرا في الدار ودلت الواو على ما أردت ، وإن احتجت إلى الإظهار أظهرت كما في هذا البيت إلا أن تكون الواو الجامعة في نحو اختصم زيد وعمرو ، فليس ثم إضمار لقيام الواو مقام صيغة التثنية كأنك قلت : اختصم هذان وعلى هذا تقول طلع الشمس والقمر فتغلب المذكر كأنك قلت : طلع هذان النيران فإن جعلت الواو هي التي تضمر بعدها الفعل قلت : طلعت الشمس والقمر وتقول في نفي المسألة الأولى : ما طلع الشمس والقمر ونفي المسألة الثانية ما طلعت الشمس ولا القمر تعيد حرف النفي . لينتفي به الفعل المضمر . ويتفرع من هذا الأصل في النحو مسائل كثيرة لا نطول بذكرها .
وقوله فتلقتهم مسايفة بكسر الياء أي كتيبة مسايفة . ولو فتحت الياء فقلت : مسايفة لكان حالا من المصدر التي تكون أحوالا مثل كلمته مشافهة ولعل هذه الحال أن يكون لها ذكر في الكتاب فنكشف عن سرها ، ونبين ما خفي على الناس من أمرها ، وفي غير نسخة الشيخ فتلقتهم مسابقة بالباء والقاف . والغبية الدفعة من المطر .
وقوله النثرة أي المنتثرة وهي التي لا تمسك ماء . وقوله [ ملى ] الإله من قولهم تمليت حينا أي عشت معه حينا ، وهو مأخوذ من الملاوة والملوين قال ابن أحمر
ألا يا ديار الحي بالسبعان
أمل عليها بالبلى الملوان
ألا يا ديار الحي لا هجر بيننا
ولا كن روعات من الحدثان
نهار وليل دائب ملواهما
على كل حال الناس يختلفان
معنى قول الشاعر دائب ملواهما . والملوان الليل والنهار . وهو مشكل لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه . لكنه جاز ههنا لأن الملا هو المتسع من الزمان والمكان وسمي الليل والنهار ملوين لانفساحهما ، فكأنه وصف لهما ، لا عبارة عن ذاتيهما ; ولذلك جازت إضافته إليها ، فقال دائب ملواهما أي مداهما وانفساحهما . وقد رأيت معنى هذا الكلام في هذا البيت بعينه لأبي علي الفسوري في بعض مسائله الشيرازية .
وقوله لا يكن قدره . دعاء عليه والهاء عائدة على عمرو . أراد لا يكن قدر عليه . وحذف حرف الجر فتعدى الفعل فنصب ولا يجوز حذف حرف الجر في كل فعل وإنما جاز في هذا ، لأنه في معنى : استطاعه أو أطاعه فحمل على ما هو في معناه ونظائره كثيرة والبيت الذي أنشده
ليت حظي من أبي كرب
أن يسد خيره خبله
قال البرقي : نسب هذا البيت إلى الأعشى ، ولم يصح قال وإنما هو لعجوز من بني سالم . أحبه قال في اسمها : جميلة قالته حين جاء مالك بن العجلان بخبر تبع ، فدخل سرا ، فقال لقومه قد جاء تبع ، فقالت العجوز البيت .
وقوله في حديث تبع : وقوم يزعمون أن حنقه إنما كان على هذين السبطين من يهود يقوي ما ذكرناه قبل هذا عنه .
والشعر الذي زعم ابن هشام أنه مصنوع قد ذكره في كتاب التيجان وهو قصيد مطول أوله
ما بال عينك لا تنام كأنما
كحلت مآقيها بسم الأسود
حنقا على سبطين حلا يثربا
أولى لهم بعقاب يوم مفسد
وذكر في القصيدة ذا القرنين وهو الصعب بن ذي مراثد فقال فيه
ولقد أذل الصعب صعب زمانه
وأناط عروة عزه بالفرقد
لم يدفع المقدور عنه قوة
عند المنون ولا سمو المحتد
والصنعة بادية في هذا البيت وفي أكثر شعره وفيه يقول
فأتى مغار الشمس عند غروبها
في عين ذي خلب وثأط حرمد
والخلب الطين والثأط الحرمد وهو الحمأ الأسود وروى نقلة الأخبار أن تبعا لما عمد إلى البيت يريد إخرابه رمي بداء تمخض منه رأسه قيحا وصديدا يثج ثجا ، وأنتن حتى لا يستطيع أحد أن يدنو منه قيد الرمح وقيل بل أرسلت عليه ريح كتعت منه يديه ورجليه وأصابتهم ظلمة شديدة حتى دفت خيلهم فسمي ذلك المكان الدف فدعا بالحزاة والأطباء فسألهم عن دائه فهالهم ما رأوا منه ولم يجد عندهم فرجا . فعند ذلك قال له الحبران : لعلك هممت بشيء في أمر هذا البيت فقال نعم أردت هدمه . فقالا له تب إلى الله مما نويت فإنه بيت الله وحرمه وأمراه بتعظيم حرمته ففعل فبرئ من دائه وصح من وجعه . وأخلق بهذا الخبر أن يكون صحيحا فإن الله - سبحانه - يقول ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم [ الحج : 25 ] . أي ومن يسهم فيه بظلم . والباء في قوله بظلم تدل على صحة المعنى ، وأن من هم فيه بالظلم - وإن لم يفعل - عذب تشديدا في حقه وتعظيما لحرمته وكما فعل الله بأصحاب الفيل أهلكهم قبل الوصول إليه .