خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز
عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن
أمية (717م -720م) سابع الخلفاء الأمويين، خامس الخلفاء الراشدين من حيث
المنظور السني، ويرجع نسبه من أمه إلى عمر بن الخطاب حيث كانت أمه هي أم
عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب وبذلك يصبح الخليفة عمر بن الخطاب جد
الخليفة عمر بن عبد العزيز. ولد في المدينة المنورة وقد تلقى علومه وأصول
الدين على يد صالح بن كيسان في المدينة المنورة واستفاد كثيراً من علماءها
ثم استدعاه عمه الخليفة عبدالملك بن مروان إلى دمشق عاصمة الدولة الأموية
وزوجه ابنته فاطمة وعينه أميراً على إمارة صغيرة بالقرب من حلب تسمى دير
سمعان وظل والياً عليها حتى سنة 86 هـ.
مكانته العلميـة وولايته للمدينة
لقِّب
بخامس الخلفاء الراشدين لسيره في خلافته سيرة الخلفاء الراشدين. تولى
الخلافة بعد سليمان بن عبد الملك في دمشق سنة 99 هجرية وقد سمي الخليفة
العادل لمكانته وعدله في الحكم. قال عنه محمد بن علي بن الحسين رحمه الله:
" أما علمت أن لكل قوم نجيبًا، وأن نجيب بني أمية "عمر بن عبد العزيز" ،
وأنه يبعث يوم القيامة أمة وحده " . في ربيع الأول من عام 87هـ ولاّه
الخليفة الوليد بن عبد الملك إمارة المدينة المنورة ، ثم ضم إلية ولاية
لطائف سنة 91 هـ وبذلك صار واليآ على الحجاز كلها واشترط عمر لتوليه
الأماره ثلاثة شروط : الشرط الأول :أن يعمل في الناس بالحق والعدل ولا
يظلم أحدآ ولا يجوز على أحد في أخذ ماعلى الناس من حقوق لبيت المال ،
ويترتب على ذلك أن يقل مايرفع للخليفة من الموال من المدينة . الشرط
الثاني : أن يسمح له بالحج في أول سنة لأن عمر كان في ذلك الوقت لم يحج .
الشرط الثالث : أن يسمح له بالغاء أن يخرجه للناس في المدينة فوافق الوليد
على هذه الشروط ، وباشر عمر بن عبد العزيز عمله بالمدينه وفرح الناس به
فرحآ شديدآ. من أبرز الأعمال التي قام بها في المدينه وهو عمل مجلس الشورى
يتكون من عشر من فقهاء المدينة . ثم عينة الخلفية الأموى سليمان بن عبد
الملك وزيراً في عهده .
قال عنه سفيان الثوري: كخامس الخلفاء الراشدين (الخلفاء خمسة: أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ،وعلي ، وعمر بن عبد العزيز).
وعن
شدة إتباعه للسنة قال حزم بن حزم:قال عمر:لو كان كل بدعة يميتها الله على
يدي وكل سنة ينعشها الله على يدي ببضعة من لحمي، حتى يأتي آخر ذلك من
نفسي، كان في الله يسيراً. أتفقت كلمة المترجمين على أنه ممن ائمة زمانه ،
فقد اطلق عليه كل من الإمامين :مالك وسفيان بن عيينه وصف إمام ، وقال
مجاهد:أتيناه نعلمه فما برحنا حتى تعلمنا منه ،وقال ميمون بن مهران :كان
عمر بن عبد العزيز معلم العلماء ، قال فيه الذهبي :كان إمامآ فقيهآ مجتهدآ
، عارفآ بالسنن ،كبير الشأن حافظآ قانتآ لله أواهآ منيبآ يعد في حسن
السيرة والقيام بالقسط مع جده لأمة عمر, وفي الزهد مع الحسن البصري وفي
العلم مع الزهري "
مبايعته بالخلافة
بويع
بالخلافة بعد وفاة الخليفة سليمان بن عبد الملك وهو لها كاره فأمر فنودي
في الناس بالصلاة، فاجتمع الناس في مسجد بني أمية - المسجد الأموى بدمشق ،
فلما اكتملت جموعهم، قام فيهم خطيبًا، فحمد الله ثم أثنى عليه وصلى على
نبيه ثم قال: "أيها الناس إني قد ابتليت بهذا الأمر على غير رأي مني فيه
ولا طلب له... ولا مشورة من المسلمين، وإني خلعت ما في أعناقكم من بيعتي،
فاختاروا لأنفسكم خليفة ترضونه " . فصاح الناس صيحة واحدة: قد اخترناك يا
أمير المؤمنين ورضينا بك، فَولِ أمرنا باليمن والبركة. فأخذ يحض الناس على
التقوى ويزهدهم في الدنيا ويرغبهم في الآخرة، ثم قال لهم: " أيها الناس من
أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له على أحد، أيها الناس
أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم " ثم نزل عن
المنبر وقد تمت البيعة للخلافة في دمشق سنة 99 هجرية في مسجد دمشق الكبير
(الجامع الأموى).
يقول التابعي العالم الجليل رجاء بن حيوة: " لما
تولى عمر بن عبدالعزيز الخلافة وقف بنا خطيبا فحمد الله ثم أثنى عليه،
وقال في جملة ما قال : يا رب إني كنت أميراً فطمعت بالخلافة فنلتها، يا رب
إني أطمع بالجنة، اللهم بلغني الجنة. قال رجاء: فأرتج المسجد بالبكاء
فنظرت إلى جدران المسجد هل تبكي معنا"
ما دار بينه وبين أبنه بعد توليه الخلافة
اتجه
عمر إلى بيته وآوى إلى فراشه، فما كاد يسلم جنبه إلى مضجعه حتى أقبل عليه
ابنه عبد الملك وكان عمره آنذاك سبعة عشر عامًا، وقال: ماذا تريد أن تصنع
يا أمير المؤمنين؟ فرد عمر: أي بني أريد أن أغفو قليلاً ، فلم تبق في جسدي
طاقة. قال عبد الملك : أتغفو قبل أن ترد المظالم إلى أهلها يا أمير
المؤمنين؟ ، فقال عمر: أي بني ، إني قد سهرت البارحة في عمك سليمان ، وإني
إذا حان الظهر صليت في الناس ورددت المظالم إلى أهلها إن شاء الله. فقال
عبد الملك : ومن لك يا أمير المؤمنين بأن تعيش إلى الظهر؟! فقام عمر
وقبَّل ابنه وضمه إليه، ثم قال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني
على ديني.
عـدله
اشتهرت
خلافة عمر بن عبد العزيز بأنها الفترة التى عم العدل والرخاء في أرجاء
الدولة الاموية حتى أن الرجل كان ليخرج الزكاة من أمواله فيبحث عن الفقراء
فلا يجد من في حاجة اليها. كان عمر رحمه الله قد جمع جماعة من الفقهاء
والعلماء وقال لهم: " إني قد دعوتكم لأمر هذه المظالم التي في أيدي أهل
بيتي، فما ترون فيها؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين : إن ذلك أمرًا كان في غير
ولايتك، وإن وزر هذه المظالم على من غصبها " ، فلم يرتح عمر إلى قولهم
وأخذ بقول جماعة آخرين منهم ابنه عبد الملك الذي قال له: أرى أن تردها إلى
أصحابها ما دمت قد عرفت أمرها، وإنك إن لم تفعل كنت شريكا للذين أخذوها
ظلما. فاستراح عمر لهذا الرأي وقام يرد المظالم إلى أهلها.
وعن
عطاء بن أبي رباح قال: حدثتني فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز :أنها دخلت
عليه فإذا هو في مصلاه، سائلة دموعه، فقالت: يا أمير المؤمنين، ألشىء حدث؟
قال: يا فاطمة إني تقلدت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلّم فتفكرت في
الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، والمظلوم المقهور،
والغريب المأسور، وذي العيال في اقطار الأرض، فعلمت أن ربي سيسألني عنهم،
وأن خصمي دونهم محمد صلى الله عليه وسلم، فخشيت أن لا تثبت لي حجة عن
خصومته، فرحمت نفسي فبكيت. كان شديد المحاسبة لنفسه وَرِعًا تقيًا، كان
يقسم تفاحًا أفاءه الله على المسلمين، فتناول ابن له صغير تفاحة، فأخذها
من فمه، وأوجع فمه فبكى الطفل الصغير، وذهب لأمه فاطمة، فأرسلت من أشترى
له تفاحًا. وعاد إلى البيت وما عاد معه بتفاحة واحدة، فقال لفاطمة: هل في
البيت تفاح؟ إني أَشُمُ الرائحة، قالت: لا، وقصت عليه القصة –قصة ابنه-
فَذَرفت عيناه الدموع وقال: والله لقد انتزعتها من فم ابني وكأنما أنتزعها
من قلبي، لكني كرهت أن أضيع نفسي بتفاحة من فيْء المسلمين قبل أن يُقَسَّم
الفَيءُ.
تواضعه وزهده
أشتهى
عمر تفاحاً، فقال لو كان لنا شىء من التفاح، فإنه طيب الريح طيب الطعم
فقام رجل من أهل بيته فأهدى إليه تفاحاً، فلما جاء به قال عمر: ما أطيب
ريحه وأحسنه، أرفعه يا غلام فاقرىء فلاناً منا السلام و قل لهُ: إن هديتك
قد وقعت منا بموقع بحيث تحب. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، ابن عمك ورجل
من أهل بيتك وقد بلغك أن النبي محمد صلى الله عليه و سلم كان يأكل الهدية،
ولا يأكل الصدقة، فقال : ويحك ، إن الهدية كانت للنبي وهي لنا اليوم رشوة.
وعن بشير بن الحارث قال: أطرى رجل عمر بن عبد العزيز في وجهه، فقال له عمر: يا هذا لو عرفت من نفسي ماأعرف منها، ما نظرت في وجهي.
سياسته الداخلية
وقبل
أن يلي عمر بن عبد العزيز الخلافة تمرّس بالإدارة واليًا وحاكمًا، واقترب
من صانعي القرار، ورأى عن كثب كيف تُدار الدولة، وخبر الأعوان والمساعدين؛
فلما تولى الخلافة كان لديه من عناصر الخبرة والتجربة ما يعينه على تحمل
المسؤولية ومباشرة مهام الدولة، وأضاف إلى ذلك أن ترفَّع عن أبهة الحكم
ومباهج السلطة، وحرص على المال العام، وحافظ على الجهد والوقت، ودقَّق في
اختيار الولاة، وكانت لديه رغبة صادقة في تطبيق العدل.
وخلاصة
القول أن عمر بن عبد العزيز لم يكن رجل زهد وولاية ووجد نفسهُ فجأة خليفة؛
بل كان رجل دولة أستشعر الأمانة، وراقب الله فيما أُوكل إليه، وتحمل
مسؤولية دولته الكبيرة بجدٍّ واجتهاد؛ فكان منه ما جعل الناس ينظرون إليه
بإعجاب وتقدير.
وكان يختار ولاته بعد تدقيق شديد، ومعرفة كاملة
بأخلاقهم وقدراتهم؛ فلا يلي عنده منصبًا إلا من رجحت كفته كفاءة وعلمًا
وإيمانًا، وحسبك أن تستعرض أسماء من اختارهم لولاياته؛ فتجد فيهم العالم
الفقيه، والسياسي البارع، والقائد الفاتح، من أمثال أبي بكر بن محمد بن
عمرو بن حزم، أمير المدينة وقاضيها، والجراح بن عبد الله الحكيمي، أمير
البصرة، وكان قائدًا فاتحًا، وإداريًا عظيمًا، وعابدًا قائدًا، والسمح بن
مالك أمير الأندلس، وكان قائدًا فذًا، استُشهد على أرض الأندلس، وكان باقي
ولاته على هذه الدرجة من القدرة والكفاءة.
وكان عمر لا يكتفي بحسن
الاختيار بعد دراسة وتجربة، بل كان يتابع ويراقب، لكن مراقبته لم تكن
مراقبة المتهم، بل كان يراقب تطبيق السياسة العامة التي وضعها للدولة.
وإذا
كان قد أخذ نفسه بالشدة والحياة الخشنة، فإنه لم يلزم بها ولاته، بل وسّع
عليهم في العطاء، وفرض لهم رواتب جيدة تحميهم من الانشغال بطلب الرزق،
وتصرفهم عن الانشغال بأحوال المسلمين، كما منعهم من الاشتغال بالتجارة،
وأعطى لهم الحرية في إدارة شئون ولاتهم؛ فلا يشاورونه إلا في الأمور
العظيمة، وكان يظهر ضيقه من الولاة إذا استوضحوه في الأمور الصغيرة، حيث
كتب إليه أحد ولاته يستوضح منه أمرًا لا يحتاج إلى قرار من الخليفة، فضاق
منه عمر، وكتب إليه: "أما بعد، فأراك لو أرسلتُ إليك أن اذبح شاة، ووزِّع
لحمها على الفقراء، لأرسلت إلي تسألني: كبيرة أم صغيرة؟ فإن أجبتك أرسلت
تسأل: بيضاء أم سوداء؟ إذا أرسلت إليك بأمر، فتبيَّن وجه الحق منه، ثم
أمْضِه".
مواقفه
* أول من أوقف عطايا بني أمية.
* أول من رفض عطايا الشعراء.