الجزء الثاني
العشق المميت بين المصور التسجيلي والكاميرا..... وحب الوطن
الكاتب : توفيق خليل ابو انس / 3 / 3 / 2010 الجزء الثالث
مصطفى أبو علي احد طلائع قسم السينما الفلسطينية في حركة التحريرالوطني الفلسطيني فتح الاعلام الموحد الفلسطيني
فقدت السينما والحركة الثقافية يوم الخميس 30/07/2009، أحد أركانها واحد المؤسسين الأؤئل للسينما الفلسطينية المناضل مصطفى ابو علي عن عمر يناهز التاسعة والستين عاما. واعتبر كواحد من مخرجي تياري السينما النضالية والثورية. ظل ابو علي امينا للفيلم التسجيلي.
واكب أبو علي مسيرة الكفاح الوطني والثقافي من خلال السينما التي حملت هموم وآمال الشعب الفلسطيني، ليكون رافدا و بارزا من أعلام الحركة الفنية والثقافية في مسيرة شعبه الكفاحية. ولد مصطفى ابو علي في قرية المالحة قضاء القدس عام 1940، ودرس السينما في بريطانيا وتخرج منها عام 1963، ثم درس الهندسة في الولايات المتحدة، قبل ان يعمل في التلفزيون الاردني.
من عمان وتأسيس قسم التصوير الفوتوغرافي ومن ثم تصوير الاحداث بالصورة المتحركة وبالتالي ستكون بداية السينما الفلسطينية كان ذلك عام 1967 مع رفيق دربه المصور السينمائي هاني جوهرية ومع سلافة جادالله ، ثم التحق في تأسيس القسم الفوتوغرافي الاخوة الشهيد ابراهيم مصطفى ناصر والشهيد عبد الحافظ الاسمر والحي والموجود حتى الان ابو ظريف والاخ نبيل مهدي والاخ عارف من دمشق والاخ كمال عدوان ( ليس عضو اللجنة المركزية ) وقد كرس الجهده من اجل توظيف الفن السينمائي "لخدمة الثورةتكريما للشهيد... وقبل الاستشهاد تحدث مصطفى أبو علي عن بدايات السينما الفلسطينية التي حاولت أن تتحدث عن فلسطين مرةً من الأرض اللبنانية، ومرة من الأرض السوري او الأردنية أو المصرية، وحاولت أن ترسم صورةً لأرض ضائعة وشعب مشتّت. لطالما كانت السينما بنت المدينة والمكان، «أما نحن فاستبدلنا المدينة بالقضية. فلسطين لنا شيء نظري» قال أبو علي، مضيفاً: {هي موجودة في الحلم والإحساس والحنين}. وينجز (بالروح بالدم) 1972. أول فيلم سينمائي تسجبلي مدّته 40 دقيقة.[ تم تسجيله في الأردن] وساهم إلى جانب المخرج مصطفى أبو علي فنانون ومصورون آخرون هم ( هاني جوهرية، وسُلافة مرسال، وآخرون). تم تصوير هذا الفلم من خلال احداث ايلول الاسود عام 1970. ويتناول هذا العمل الاحداث الؤسفة التي جرت على الساحة الاردنية ودفاع الفدائيين الفلسطينيين عن قواعد اوتواجدهم في الأغوار الأردنية
وفيلم "بالروح بالدم"الذي حصل على جائزة افضل فيلم تسجيلي في مهرجان دمشق السينمائي 1972 وهوتسجيلي طويل، يتناول أحداث أيلول في الأردن والصمود البطولي للثورة والشعب , يحتوي الفيلم على المشاهد والتسجيلات الصوتية الحية التي اخذت اثناء الاحداث . لذا فالفيلم ليس مجرد وثيقة نضالية فحسب بل تجربة نضالية بحد ذاتها . وبعد انتقالنا الى الساحة السورية ومن ثم الساحة اللبنانية تم تصوير كثير من المواد والاحداث المتلاحقة والضربات المتواصلة من هنا بدأت صناعة الفلم الوثائقي لتسجيل هذه الاحداث وكان للاخ مصطفى ابو علي هذه الافلام واولها فيلم (العرقوب) 1973,وهو محاولة تسجيلية لتحليل ابعاد الايام الاربعة التي دارت في العرقوب بين قوات المقاومة الفلسطينية وجيش العدو الاسرائيلي . و فيلم (عدوان صهيوني) تسجيلي مدته 22 دقيقة –عمل جماعي - بإشراف مصطفى أبو علي. وحسب النقاد يعتبر الفيلم نقلة مهمة في تصوير وحشية الصهاينة وعدوانهم على المخيمات والتجمعات الفلسطينية في 8/ ايلول/ 1974. واستمد الفيلم واقعيته من المؤثرات الحية دون أي موسيقا تصويرية مرافقة، فأصوات القنابل والصواريخ جعلت من الحقيقة الناطق الرسمي الأمر الذي دفع بالمخرج السينمائي الكوبي سنتياغو الفاريز أن يقول: (لقد كنا نسمع كثيراً عن الثورة الفلسطينية.. ولكن عندما شاهدنا أفلامكم تعرفنا عليها أكثر وعرفنا تماماً حجم هذه الثورة وتاريخ نضالها). في لبنان المجموعة السينمائية والاخ الشهيد مصطفى أبو علي ومجموعة من زملائه المصورين والسينمائيين الفلسطينيين الى لبنان ومع مخرجين فلسطينيين وعرب اسس جماعة السينما الفلسطينية وكانت باكورة هذه الجماعة فيلم "مشاهد من الاحتلال في غزة"(1974) التي تم تصويره في غزة والفيلم نال الجائزة الذهبية في مهرجان كان 1974، وتمكن من إيصال فكرته ، فكرة المقاومة والتشبث بالأرض في دلالات عميقة عبر التحليل السياسي الناضج، بعيداً عن استدرار العواطف،والافلام "بالروح بالدم" و (ليس لهم وجود). افلام تسجيلية وثائقية متوسط الطول ( لا تزيد المده عن 25 دقيقة). -و(على طريق النصر) 1975. - و (تل الزعتر) 1977 (بالاشتراك مع جان شمعون، بينو أدريانو)
بعد غزو لبنان 1982 خرج ليستقر في الأردن ويؤسس من جديد لشركة إنتاج سينمائي وتلفزيوني(بيسان فيلم) كما شارك في معظم دورات مهرجان لايبزيغ السينمائي في المانيا الشرقية سابقا، وحصل على العديد من الجوائز التقديرية. وايضا من بيروت مسؤول في مؤسسة السينما الفلسطينية ومجموعة السينما الفلسطينية الى جانب تاسيس جماعة السينما الفلسطينية برئاسته في مدينة رام الله عام 1996.
ما يثير التساؤل في مسيرة مصطفى أبو علي (1940 ــــ 2009)، هو مشاريعه المعلّقة بطريقة أو بأخرى. السينمائي الذي يُعد احد مؤسسي «سينما الثورة الفلسطينية»، قدّم مجموعة من الافلام التسجيلية منذ 1968 حتى نهاية السبعينيات . حلمه الأول بفيلم روائي لم يتحقق، بدءاً من سيناريو متشائل إميل حبيبي، مروراً بوليد مسعود جبرا إبراهيم جبرا، ثم صورة سميح القاسم الأخيرة في الألبوم، وانتهاء بسيناريو ، عن العودة إلى الوطن، عبوراً إلى معاناة الناس عند الحواجز، وانتفاضتهم الثانية واخيرا اخبرت بأن قناة الجزيرة وافقة على مشروع عمل للاخ الشهيد اي بعد استشهاده.
رحيل السينمائي الفلسطيني مصطفى أبو على الجمعة، 31 يوليو 2009 نعى مكتب الشؤون الفكرية والدراسات فى حركة فتح المخرج السينمائى احد مؤسسين السينما الفلسطينية مصطفى أبو على الذى رحل أمس، الخميس، عن عمر يناهز التاسعة والستين عاما، وشيع جثمانه ظهر اليوم، الجمعة، فى مدينة البيرة فى الضفة الغربية. وأشاد مكتب الشؤون الفكرية والدراسات بـ"نضال المخرج مصطفى أبو على مؤسس قسم السينما فى حركة فتح والإعلام الفلسطينى الموحد، وأحد الكوادر القيادية الذى التحق بصفوف الثورة عام 1970". ولد مصطفى أبو على فى قرية المالحة قضاء القدس عام 1940، ودرس السينما فى بريطانيا وتخرج منها عام 1963، ثم درس الهندسة فى الولايات المتحدة، قبل أن يعمل فى التلفزيون الأردنى. أسس مع رفيق دربه المصور السينمائى هانى جوهرية ومع سلافة جادا لله وحدة السينما التابعة لحركة فتح بعد حرب يونيو1967. وقد كرس جهده من أجل توظيف الفن السينمائى "لخدمة الثورة" وأنجز العديد من الأفلام الوثائقية، بينها فيلم "بالروح والدم" الذى حصل فيه على جائزة أفضل فيلم تسجيلى فى مهرجان دمشق السينمائى 1972، وفيلم "بالروح والدم" و"تل الزعتر". كما شارك فى معظم دورات مهرجان لايبزيج السينمائى فى ألمانيا الشرقية سابقا، وحصل على العديد من الجوائز التقديرية. وأسس جماعة السينما الفلسطينية فى مدينة رام الله عام 1996.
أسماء شاكر
لم يمهل الموت مؤسسين السينما الفلسطينية المناضلة مصطفي أبو علي ، فسحة من الحلم لإخراج فيلم روائي طويل ، لطالما تمني إخراجه ، منذ عودته إلي الوطن ، بعد رحلة سينمائية طويلة ، وعمر من الغربة و الترحال ، دام 46 عاماً . تلك الرحلة التي بدأت بفيلم " الحق الفلسطيني " ، الذي عالج فيه قضية توحيد الضفتين ، الضفة الغربية و الضفة الفلسطينية الواقعة تحت الحكم الأردني في تلك الفترة ، وهو ما دفعه مع رفيقيه " هاني جوهرية و سلاف جاد الله " لتأسيس " وحدة أفلام فلسطين " ، حيث انضم أبو علي وقتئذ قد انضم إلي حركة فتح ، بعد هزيمة عام 67 .
كتب عن السينما الفلسطينية (1975) بالاشتراك مع حسان أبو غنيمة ... تبدو فلسطين عبر التاريخ كجسد طويل ممتد يلاحقه الزمن بالطعنات, ويأبي الجسد إلا ان يكمل رحلته بالصمود, أو كما يقول شاعر فلسطين الواعد تميم البرغوثي في قصيدته الأخيرة بيان عسكري أيها الموت..خف انت, نحن هنا لم نعد خائفين ربما لايعرف الكثيرون ان السينما الفلسطينية يبلغ عمرها العام المقبل خمسة وسبعين عاما فأول فيلم اخرجه فلسطيني كان عام1935 حيث يعتبر إبراهيم حسن سرحان هو رائد السينما الفلسطينية. وكان المخرج والمؤرخ الفلسطيني قاسم حول قد أجري مع سرحان حوارا عام1976 تحدث فيه عن أفلامه الأولي وتأسيسه استوديو فلسطين, ويذكر حسان أبو غنيمة في كتابه فلسطين والعين السينمائية رائد فلسطينيا آخر هو أحمد حلمي الكيلاني الذي درس في القاهرة الإخراج والتصوير قبل ان يعود لبلاده ليؤسس الشركة العربية لإنتاج الأفلام السينمائية عام1945 لكن يظل أول فيلم روائي فلسطيني هو حلم ليلة اخراج صلاح الدين بدرخان عام1946. ومن رواد السينما الفلسطينية ايضا محمد صالح الكيالي الذي درس السينما بإيطاليا ثم عاد لفلسطين ليقوم بإخراج فيلم عن القضية الفلسطينية عام1947 بعنوان أرض السلام من إنتاج جامعة الدول العربية, ويقول تيسير خلف في كتابه المهم والاستثنائي دليل الفيلم الفلسطيني أن النكبة وضعت حدا لكل المحاولات التي هدفت الي إنشاء صناعة سينمائية فلسطينية, وفرضت واقعا جديدا أفرز نمطا من السينما الصهيونية التي ظهرت بأمريكا وأوروبا منذ بدايات القرن والتي تظهر فلسطين كأرض بلا شعب. ثم عادت السينما الفلسطينية للظهور مرة أخري مع بدايات الكفاح المسلح عام1967 عبر وحدة أفلام فتح التي أشرف عليها المخرج مصطفي أبوعلي.. فكانت السينما آنذاك إلي جانب البندقية, لذا لم يكن غريبا أن يكون من بين شهداء معركة عنيطورة عام1976 المصور السينمائي هاني جوهرية, ولاحقا أستشهد المصورا عمر مختار ومطيع إبراهيم أثناء تصويرهما الإجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان عام1978. وفي عام1973 تأسست جماعة السينما الفلسطينية وأنتجت فيلما وحيدا هو مشاهد من الاحتلال في غزة.. ثم قام قاسم حول بإخراج أول فيلم روائي تنتجه الثورة الفلسطينية هو عائد إلي حيفا.. ومع بدء اندثار موجة الأفلام الثورية ذات الطابع المباشر, بدأت تولد من جديد موجة جديدة حفر خطاها الأولي المخرج الفلسطيني ميشيل خليفي بعد دراسته الاخراج السينمائي ببلجيكا.. ونقل الكاميرا من معسكرات الفدائيين إلي داخل البيوت الفلسطينية تحت الاحتلال.. ثم بدأت تتوالي اجيال السينمائيين الفلسطينيين حتي العصر الحالي وأميرهم مي المصري, ليالي بدر, عزة الحسن, نزار حسن, عمر القطان, علي نصار وصبحي الزبيدي.. لكن يظل الثالوث رشيد مشهراوي وإليا سليمان وهاني أبوأسعد.. هم الذين جعلوا للسينما الفلسطينية مكانة مميزة في سينما العالم بوجودهم في كل مهرجانات العالم الكبري, ووصل الأمر بأبوأسعد ليرشح للأوسكار.. ويصبح من مخرجي هوليوود بعد فيلمه الجنة الآن. لم يترك السينمائيون الفلسطينيون شاردة أو واردة في حياة شعبهم إلا وقدموها في أفلامهم.. من مخيمات اللاجئين.. للعلاقات بين الرجل والمرأة.. للبحث عن الهوية الفلسطينية.. لوحشية المحتل الإسرائيلي ومذابحه.. لحماية التراث والتاريخ الفلسطيني.. أكثر من ثلاثمائة فيلم روائي وتسجيلي قدمهما أكثر من65 مخرجا طوال تاريخ السينما الفلسطينية كسلاح مقاومة غير مستهان به في مواجهة الاحتلال, ولهذا يحارب الاحتلال الصهيوني السينما الفلسطينية بأكثر من وسيلة ومنها سرقة الجيش الإسرائيلي أرشيف الثورة الفلسطينية ومنها الأفلام عام1982, بعد أن سطت قوات شارون علي مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير ببيروت.. ولهذا ففي الوقت الذي نحيي فيه صمود المقاومة الفلسطينية.. لابد لنا ألا ننسي السينمائيين الفلسطينيين الذين يكافحون هم أيضا لحماية شعبهم وأرضهم..... نقلاً عن جريدة الأهرام 14 يناير 2009
المرحوم مصطفى أبو علي في بيروت أيام كانت عاصمة النضال العربي . لم يحمل أي منا سلاحاً نارياً. بل حمل هو الكاميرا وحملت أنا القلم٠
مارس مصطفى السينما كما عرفها بحب وبجهد وحقق أعماله الأولى من لا شيء إنتاجياً. الميزانيات كانت محدودة وهو وأتباعه، خلال الغارات الإسرائيلية على المخيّمات او على بيروت او الجنوب، كانوا يمارسون ما عُرف لاحقاً حيث الميزانيات المحدودة والخبرات التي يتم التقاطها بالتجارب وبالأخطاء معاً. لكنها كانت دائماً ما تعبّر لا عن وجدانه وحده فقط، بل عن وجدان الفلسطينيين واللبنانيين والعرب كلهم في الخندق الوطني الواحد الذي اختاروه ضد الصهيونية. أيام ما كان من الصعب كسر عود تلك القوّة االفاشية وليس كما اليوم، هذا متاح ولو بأثمان باهظة
أخرج من الستينات العديد من الأفلام الوثائقية عناوينها تعكس ما حوته من مواضيع ورسالات سياسية: لا للحل السلمي، الحق الفلسطيني، بالروح بالدم، العرقوب، عدوان صهيوني، ليس لهم وجود، تل الزعتر، فلسطين في العين وسواها. كما أخرج خمسة أعداد من الجريدة الفلسطينية وصوّر له الشهيد هاني جوهرية وسمير نمر وعمر مختار وقام بتوليف معظم أعماله (وربما معظم أعمال كل الأفلام الوثائقية الفلسطينية التي انتجت في بيروت آنذاك) فؤاد زنتوت٠
وبعض أفلامه (مثل" ليس لهم وجود"، "تل الزعتر") فاز بجوائز في مهرجانات عربية في قرطاج وفي بغداد. رحمه الله ورحم من ذكرت ورحم الله تلك الأيام التي كان للحياة فيها معنى أعمق مما تعنيه اليوم٠
أتذكّر جيداً ابتسامته وسجائره ومحاولته في بعض الأحيان أن يفهم كيف يمكن لي أن أحب السينما الفلسطينية والوطنية وأحب غيرها في الوقت ذاته. الفاتحة عن روحك يا حبيب
برحيل المخرج السينمائي الفلسطيني مصطفى أبو علي، تكون السينما الفلسطينية والعربية قد خسرت مخرجاً رائداً ومؤسساً في السينما التسجيلية الفلسطينية خصوصاً، ومساهماً كبيراً في السينما العربية بعامة، فقد استطاع، خلال ما يزيد على أربعين عاماً، أن يرسخ في الساحة الفلسطينية نهجاً جديداً في السينما النضالية، أو ما عرف منذ أواخر الستينات بـ «سينما المقاومة»، أو «سينما الثورة الفلسطينية»، وذلك من خلال الأفلام التسجيلية التي قدمها أثناء مسيرته التي بدأت مع انطلاق الثورة الفلسطينية، حيث قدّم افلاما تسجيلية منذ 1968 حتى نهاية السبعينيات.
لم تكن رحلة المخرج أبو علي سهلة أبداً، فقد حفلت جربته بشتى الصعوبات والمخاطر التي حفلت بها تجربة المقاومة التي التحق بصفوفها منذ بدايته، إذ إن ظروف المقاومة في بيروت ومشكلات مؤسساتها على الصعد الإدارية والمالية والفساد كانت تحول دون تحقيق الكثير من المشاريع الفنية، فأنجز الكثير في رصد عناصر وتفاصيل مهمة من هذه التجربة بدءا من فيلمه التسجيلي الأول «لا للحل السلمي» و»الحق الفلسطيني»، ثم «بالروح بالدم» و»العرقوب» و»عدوان صهيوني» و»ليس لهم وجود» و»تل الزعتر» و»فلسطين في العين» وسواها الكثير. أحلام مجهضة لم تكن إنجازات مصطفى أبوعلي بحجم أحلامه، ولم تكن أفلامه وكلها في إطار القضية الفلسطينية هي كل ما حلم به هذا المخرج، خصوصا أن تجربته في الفيلم الفلسطيني تكاد تكون توقفت مع حصار بيروت وخروج المقاومة منها عام 1982، إذ خرج مع من خرجوا، وعاش مرحلة الشتات بكل مراراتها وعذاباتها، حتى حين استقر في عمان ضاقت به سبل العيش فاضطر لتقديم أعمال بعيدة عن قضيته، ثم جاءت مرحلة رام الله التي لم تكن الحال فيها أفضل، فلم تتح له فرصة تحقيق حلمه بتوقيع اسمه ولو على فيلم روائي طويل واحد من أفلام عدة كان يحلم بتقديمها، حتى بدا في سنواته الأخيرة يائساً من تحقيق هذا الحلم. إشارة لهذا الحلم يقول صديقه الباحث والناقد وليد أبوبكر إن «حلمه (مصطفى) الأول بفيلم روائي لم يتحقق، بدءاً من سيناريو متشائل إميل حبيبي، مروراً بوليد مسعود جبرا إبراهيم جبرا، ثم صورة سميح القاسم الأخيرة في الألبوم، وانتهاء بسيناريو إشكاليّ، عن العودة إلى الوطن، عبوراً إلى معاناة الناس عند الحواجز، وانتفاضتهم الثانية، وهو الذي ما زلت أحتفظ بنصه الأولي الذي عملنا عليه سوياً، ثم تحوّل، ربما في شكل آخر، إلى قضية، لكنه، مثل غيره من المشاريع الجادة والقلقة، لم يصل مرحلة التنفيذ». ويضيف أبوبكر «حين كنت مع مصطفى أبوعلي في لجان تحكيم مهرجان الجزيرة السينمائي، شعرت بأن الجدية التي كنت ألمسها فيه أخذت تتآكل أمام الإحباط الذي ينمو حوله، وبأن اليأس من الواقع أخذ يحيله إلى الصمت، وشعرت بأنه لم يعد قادراً على تحمل ذلك». ويقول أبو علي في هذا الصدد، وبقدر من الألم: «عندما أنجزتُ تلك الأفلام في الستينيات والسبعينيات، كنتُ أعبّر عن قناعاتي. بعد عودتي إلى فلسطين، شعرتُ أنني استهلكت طاقتي في الفيلم التسجيلي. بل بدأت أشعر بذلك قبلها بكثير، ربما منذ عام 1978. عندها، قدّمت استقالتي من «مؤسّسة أفلام فلسطين». أما عن توقفه حتى عن إنتاج الأفلام الوثائقية والتسجيلية منذ سنوات، فيعود إلى غياب التمويل، وعن هذا الجانب يقول: «لا أستطيع الانتاج بدون توفر التمويل». والتمويل الذي كان يقبل به مصطفى أبو علي هو: التمويل النظيف والموازنة التي تعتمدها المؤسسة. ولم يكن يقدّم الفكرة التجارية التي تبيع. لم يقدّم ما يريده الممولون، كما تقول شقيقته ميسر أبو علي عشية رحيله ولهذا السبب رفض أشكالاً عديدة من التمويل بمعزل عن المؤسسة. ولكن المؤسسة المعنية خذلت أحلامه وبقي نموذجاً في إبداعه المقترن بقيم النزاهة والشفافية والاخلاق. حتى أن بعض أعضاء جماعة السينما التي أسسها أبو علي استطاعت، مؤخراً فقط، الحصول على شيء من الدعم، أي بعد فوات الأوان بالنسبة للمخرج الراحل.
رحلة طويلة كهذه لا يمكن تناولها في عجالة، لكن يمكن التوقف عند أهم ما تميزت به، وإحدى سمات تجربة أبو علي أنها شكلت محطة ونقلة نوعيتين في مسيرة السينما الفلسطينية، هذه المسيرة التي بدأت - حسب بعض مؤرخيها- في الثلاثينات من القرن العشرين، حيث كانت التجربة الأولى التي قدمت فيها أعمال سينمائية تسجيلية وثقت محطات ومراحل من القضية بجماليات بصرية تتناغم مع خطابها المباشر الذي ينحاز إلى مبدأ التوعية والكشف عن ممارسات الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، كواحد من مخرجي تياري السينما النضالية والثورية، تأسيس حركة للسينما الفلسطينية الجديدة في محاكاة لتيارات السينما البديلة التي كانت تعصف بالفن السابع في العالم قبل عقود. وهو بحسب بعض من كتبوا عن تجربته من أوائل من عرف كيف يترجم الألم إلى صُوَر فنية متحرّرة من سطوة المباشَرة، وجاعلة الفن أساسيا في معركة الوجود. حيث ضربته النكبة في الصميم، عند بلوغه الثامنة من عمره فقط؛ لكنه حوّل الضربة إلى مقارعة حسّية وحيوية ويومية، بواجهة سينمائية ومضمون إنساني ونصّ نضالي مكتوب بمفردات الإبداع والجماليات الطالعة من عمق الجرح والدم والعنف. جرحته النكسة، لكنه خرج منها إلى المساحة الأوسع للقول والمواجهة الثابتة على مبادئ الحقّ والعدالة والكفاح. ووفق هذه النظرة، فإن التجريب، بالنسبة إلى علاقة مصطفى أبو علي بالفيلم الوثائقي تحديداً، أتاح له فرصة الاشتغال البصري، في ذروة المعركة السياسية والثقافية والعسكرية ضد إسرائيل، على معنى أن يستوفي الفيلم شرطه الإبداعي، مهما تضمّنت مادته الدرامية من مواضيع نضالية وخطابية. ذلك أن الفيلمين المذكورين أعلاه، على الأقلّ، لم ينتميا إلى «الفئة النضالية البحتة»، لارتكازهما على لغة وثائقية مائلة إلى الفني، من دون أن تتخلّى عن نبرة سائدة حينها، وقادرة على مزج مناخ الحالة الإنسانية في ظلّ اعتداءات إسرائيلية وحشية يومية، بسلوك إبداعي استعان بالصمت في التقاط آثار العنف الإسرائيلي على المدنيين الفلسطينيين، جاعلاً الفيلم توثيقاً سينمائياً مهمّاً في (عدوان صهيوني)، ومشتغلاً على الموسيقى والتوليف في قراءة المشهد العام من دون بكائيات فجّة أو خطابية جوفاء في (ليس لهم وجود). بمعنى آخر، بدا مصطفى أبو علي، في فيلميه هذين، سينمائياً ونضالياً في آن.
والسمة الثانية تتمثل في قدرة أبو علي على استقطاب عدد من السينمائيين العالميين للمساهمة في تقديم أعمال تخدم القضية الفلسطينية، فمنذ عمل كمساعد مخرج مع المخرج الفرنسي جان لوك غودار في فيلمه (من هنا وهناك) عام 1970، الذي ما زال من أهم الافلام التي تناولت النضال الفلسطيني، أخذت تتكاثر المساهمات العالمية في معالجة القضية، فقد كان انتخابه رئيسا لمجموعة السينما الفلسطينية التي أسسها في بيروت، ثم شغل منصب رئيس مؤسسة السينما الفلسطينية في بيروت أيضا في الفترة ما بين عامي (1971-1980).. كانا سببا في استقطاب فريق عمل ضم سينمائيين من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والسويد وإيطاليا والبرازيل وروسيا واليابان للمشاركة في تحضير وإنتاج أفلام وثائقية عن القضية الفلسطينية. وقد تمخض التعاون بين السينمائيين الفلسطينيين والعرب والعالميين عن دخول القضية الفلسطينية بوابة العالم بعيون الكاميرا وكان ذلك إنجازا باهرا.
ومما يساهم في تجربته، أولا وأخيرا، أنه صنع إبداعاً سينمائياً من مزيج الراهن الإنساني بالضرورة البصرية في تأريخ اللحظة وكتابة فصل من فصول الصراع ضد الاحتلال الإسرائيلي، لذلك بات أحد أبرز صانعي اللغة السينمائية الفلسطينية، الطالعة في قلب المسافة الوسطى بين متطلّبات النضال وحاجات الإبداع البصري. ولأنه شاء أن تكون الصورة أنقى من البيان الحزبي أو الخطاب الكفاحيّ، فقد احتلّ تلك المكانة القائمة بين التأريخ البصري والأرشفة الإنسانية والقول الفني. إنه، بهذا كلّه، «تجريبيّ»، بالمعنى الثقافي الإبداعي السليم، الذي يبحث عن الجديد والمختلف في مقاربة شؤون الحياة وشجون الناس بلغة متحرّرة من الروتين النضالي المسطّح. وبذلك كله، فإنه إذا كانت سينما الثورة الفلسطينية، قد وُلدت من خلال تكوين قسم صغير للتصوير الفوتوغرافي، شرع منذ أواخر عام 1967 بتصوير ما يتعلق بالثورة، عبر تسجيل صور شهداء الثورة، وبعض المشاهد من مخيمات اللجوء الفلسطينية، وهي المفردات التي كانت متاحة للرصد والتصوير في الواقع الفلسطيني.. فإن مصطفى أبو علي، هو من قام بقيادة العمليات الفنية التي انتهت إلى تحقيق أول فيلم سينمائي فلسطيني، وكان ذلك في عام 1969، وكان الفيلم بعنوان (لا للحل السلمي)، وهو الفيلم التسجيلي القصير، ومدته (20 دقيقة)، وقد صيغ ردّاً على مبادرة روجرز، لتبيان الموقف الشعبي الفلسطيني الرافض لحلول التسوية المطروحة للقضية الفلسطينية، حينذاك.
المخرج السينمائي مصطفى أبو علي يتحدث عن بداياته عن السينما والعمل في الثورة الفلسطينية
إن وسائل الاتصال الجماهيرية الأخرى المعروفة هي المسرح والإذاعة والتلفزيون والمطبوعات . وقد انضمت (الإنترنت) ، كوسيلة حديثة ، لهده الوسائل.إن اللغة السينمائية هي محصلة للفنون الأخرى ، ومن السهل ان نلاحظ في هذه اللغة ملامح او عناصر من الفنون الأخرى . ولكن السينما كفن قد صهرت هذه العناصر وخرجت بملامح خاصة بها, وبهذا نالت لقب "الفن السابع" كفن جديد جاء بعد الفنون الستة التي سبقتها . وعن ابرز ملامح هذه اللغة ، يمكننا القول ، وبتبسيط متعمد ، إن السينما هي "ملكة جمال" الفنون.
اعتقد أن السينما الفلسطينية قد تأثرت بجميع هذه المذاهب ، بشكل أو بآخر ، باستثناء المذهب السريالي . على الرغم أن القضية الفلسطينية التي عبرت عنها هذه السينما هي قضية سريالية لحد بعيد. ويمكننا القول أن السينما الفلسطينية قد تأثرت بالواقعية اكثر من غيرها. فالسينما التسجيلية الفلسطينية والتي تشكل الحجم الأكبر، هي سينما واقعية. وليس نصيب السينما الروائية من الواقعية بأقل من التسجيلية ، فهي سينما واقعية في أساسها. وبينما نشاهد بعض الرمزية في بعض الأفلام التسجيلية الفلسطينية ، إلا أننا نشاهد كما اكبر بكثير من الرمزية في الأفلام الروائية .
كان من السهل دائما ملاحظة التفاعل الكبير الذي تخلقه السينما الفلسطينية بين جمهور المشاهدين الفلسطينيين والعرب، على الرغم من قلة الأفلام المنتجة عن القضية الفلسطينية . ففي بداياتنا الأولى في السينما النضالية، ومنذ عام 1969، كنا نعمل باسم وحدة (أفلام فلسطين)،وكانت الأفلام تبدأ ب (أفلام فلسطين تقدم ) ، وكان هذا لوحده كافيا لأثاره التصفيق والحماس الشديدين ، وخاصة بين الجمهور الفلسطيني. أما الأفلام نفسها وما تحتويه من مضامين ، فقد كانت تثير النقاشات بين الجمهورين الفلسطيني والعربي . وكانت هذه الأفلام تجذب أعدادا كبيرة من المشاهدين ، مما يعكس الاهتمام الكبير بالقضية الفلسطينية وبأية وسيلة للتعبير عنها .
أما التفاعل على المستوى الأجنبي ، فيصعب قياسه لعدم التعرض بالقدر الكافي لعروض الأفلام الفلسطينية لملاحظة هذا الأمر . ولكننا نستطيع ذكر نقطتين لهما علاقة بالموضوع : أولا ، أن عدد الأفلام الفلسطينية قليل جدا . وثانيا: إن فرص عرضها للجمهور الأجنبي محدودة للغاية . وعندما توفر فلم لمخرج نجم ، وهو كوستا غافيراس ، وهو فلم (حنا ك) ، عن القضية الفلسطينية ، رفض موزع الفلم الأمريكي توزيع الفلم في الولايات المتحدة . وقد أخبرتني زوجة المخرج ، والتي التقيت معها مرة في عمان ، ان الموزع الأمريكي حذر غافيراس بأن مستقبله كله كمخرج مهدد فيما لو كرر خطأ التعاطف مع الفلسطينيين .
حسب علمي لا يوجد سياسة شاملة للسينما الفلسطينية ، بمعنى ، سياسة شاملة للاهتمام بكافة جوانب الصناعة السينمائية الفلسطينية. ولكن يوجد بعض السياسات الجزئية بصيغة مشاريع . مثل ، جمع الأرشيف الفلسطيني ، أو مشاريع لإنتاج أفلام معينة . ربما لدى بعض السينمائيين بعض الأفكار أو بعض الأحلام او الطموحات ، لوضع سياسات شاملة وأنا واحد منهم ، واعتقد أن هذا ممكن وبحاجة إلى ظرف مناسب لتحقيقه.
قد يكون من الأفضل الحديث عن نشاط سينمائي فلسطيني بعد 67 وقبل 48 . فقد كان في فلسطين نشاط سينمائي قبل عام1948،وقد كان الإنجليز واليهود والعرب يقومون بهذا النشاط كل في مجاله. وكما هو معروف ، هنالك كميات كبيرة من اللقطات التسجيلية لدى دور الأرشيف الإنجليزية عن فلسطين. وكانت هذه اللقطات تعرض في إحدى الجرائد السينمائية الإنجليزية والتي كانت تصدر بانتظام في ذلك الوقت . وفي تقديري يوجد أيضا كمية كبيرة من اللقطات عن بدايات ونشاطات الحركة الصهيونية في فلسطين لدى دور الأرشيف اليهودية . أما العرب ، فقد عملوا في المجال السينمائي كأفراد على الأغلب . فلم يكن خلفهم شركات إنتاج الأخبار المصورة , ولا حركة سياسية كالصهيونية تعي دور السينما لخدمة أهدافها السياسية . وحسب علمي , فقد عمل العرب في المجال التسجيلي كما فعل الإنجليز واليهود. وفي الوقت الذي تم فيه حفظ الأرشيف الإنجليزي واليهودي ، فان الأرشيف الفلسطيني قد اندثر على الأغلب نتيجة التشرد الفلسطيني . حيث لا يوجد ولم نشاهد أية مواد منه . بعد عام 1967 تم إنشاء وحدة للإنتاج والتصوير السينمائي والفوتوغرافي تابعة لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) . وهذا بحد ذاته يعتبر انطلاقة لنشاط سينمائي متواصل . وفقط بعد عام 67 بدأ بعض السينمائيين الفلسطينيين بإنتاج أفلام روائية . لا اقصد هنا موجة الأفلام التجارية عن الفدائيين التي تلت عام 1967 . تأثرت السينما الفلسطينية بتجربة الكفاح المسلح . وحاولت بلورة (سينما نضالية) - على اعتبار أن السينما سلاح من أسلحة الثورة .
عندما بدأنا ( الشهيد هاني جوهرية وألأخت سلافة وانا) نشاطنا السينمائي في اطار حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح عام 1967 في عمان . كنا قد سمعنا عن نشاطات سينمائية تمت اثناء الثورة الفيتنامية والكوبية ولكن لم تتوفر لنا فرصة مشاهدة أي من هذه ألأعمال . اما ألأفلام عن الثورة الروسية فقد كانت متوفرة في المركز الثقافي السوفيتي وكان من السهل مشاهدتها في المركز او ترتيب عروض لها خارج المركز . في وقت متاخر نسبيا شاهدنا بعض الافلام الفيتنامية وكذلك الكوبية . كانت ألأفلام الفيتنامية بسيطة، بل في غاية البساطة . مجرد لقطات لبعض المعارك التي كان الثوار يخوضونها . وبدا لنا وقتها انها قد صورت على افلام 8 ملم ، وأن المصورين اقرب للهواة منهم للمحترفين . وعلى الرغم ان هذا النوع من الافلام لا يترك انطباعا "سينمائيا" قويا على المشاهد ، الا اننا ادركنا اهميتها النضالية على مستوى النضال الفيتنامي . بالمقابل ، كانت الافلام الكوبية اقرب للأحتراف منها للهواية . وقد شاهدنا فيها لقطات للرئيس الكوبي فيدل كاسترو والمناضل العالمي تشي غيفارا وهم بين رفاقهم في الجبال . وقد شاهدنا افلاما تسجيلية جيدة عن الثورة الكوبية وخاصة أفلام المخرج الكوبي المعروف سنتياغو ألفاريس . أما ألأفلام الروسية فقد كانت أفلاما روائية تعيد بناء ألأحداث التي جرت في ثورة أكتوبر . وكانت هذه الافلام تركز بشكل حماسي على انتصار الطبقة العاملة على البورجوازية الروسية ورموزها العسكرية . أما عن أو من حركات التحرر ألأخرى فلم نشاهد اى شيء على ما اذكر . سأروي حادثة لها علاقة بهذا الموضوع وردت إلى ذهني ألان . حصلت هذه الحادثة في الجزائر أثناء انعقاد مهرجان سينما العالم الثالث الذي نظمه الجزائريون عام 1973 . وقد عرضنا في هذا المهرجان بعض أفلامنا ، وكان من بينها فلم "عدوان صهيوني" ( فلم سينمائي 16 ملم - ابيض واسود – 22 دقيقة –إنتاج مؤسسة السينما الفلسطينية عام 1972 –تصوير وإخراج مصطفى أبو علي ) . حتى ألآن هذا شيء عادي . اما الشيء غير العادي فجاء من الوفد الكوبي الذي كان يشارك في المهرجان ، وتحديدا من المخرج سنتياغو ألفاريس والذي كان ضمن الوفد ، ورد فعله بعد مشاهدة فلم عدوان صهيوني . في بداية المهرجان كنت مع بقية الوفد الفلسطيني قد تعرفنا على الوفد الكوبي . وكنت سعيدا بشكل خاص – بل اعتبرته شرفا لي - ان اتعرف على سنتياغو ألفاريس المخرج الذي ارتبط اسمه بتشي غيفارا وكاسترو . المهم ، ان هذا المخرج المناضل الرصين ( كان عمره في نهاية الخمسينات في ذلك الوقت ) قد فقد صوابه – بالضبط هكذا – بعد مشاهدة الفلم . وأخذ يبحث عني حتى وجدني . وعندها هجم علي واحتضنني ورفعني في الهواء ودار دورتين او ربما ثلاث ، وأنا في حيرة مما يحدث ولا افهم سبب هذا ألإحتفال المفاجئ . وبعد ان انزلني على ألأرض بادرني بالقول ، والدهشة مرتسمة على وجهي – " اهنئك ايها الرفيق من كل قلبي . لقد حققت أعلى درجة من التعبير الفني الممكن بأبسط الوسائل الفنية " . عرفت عندها انه يتحدث عن فلم عدوان صهيوني والذي انتهى عرضه للتو . وأضاف " إن هذا الفلم يجب أن يكون نموذجا لسينما حركات التحرر في العالم " . وأخذني بعدها إلى اعضاء الوفد الكوبي المتجمعين ، والذين – كما بدا لي _ انهم في انتظار عودته . وهؤلاء ايضا لم يوفروا كلمة للإشادة بالفلم الا وقالوها . ووجدت عندهم فضولا كبيرا لمعرفة نشاطنا والظروف التي نعمل فيها . ولم يفتني الطلب منهم – مستغلا ذلك الحماس –إرسال بعض أفلامهم إلينا في بيروت لعرضها على جماهيرنا . وبالفعل وصلتنا مجموعة من افلامهم بعد حوالي ثلاثة شهور ومن خلال مكتب المنظمة في هافانا . بعد ان انتهت هذه الجلسة ، ظل سنتياغو الفاريس يمسك بيدي إلى أن وصلنا إلى الفندق ، وجرني من يدي الى المصعد ثم إلى غرفته قائلا أن لديه هدية يريد تقديمها لي . وخطر على بالي السيجار الكوبي . وفي الغرفة فتح باب الخزانة واخرج كل ما بداخلها ، (16) زجاجة من (الروم) الكوبي الفاخر الذي يقدمه الوفد الكوبي كهدايا ، بعضة عادي وألآخر مصنع مع الكريمة ، وبدأ يضعها في أكياس وأنا أقول له " ما هذا أيها الرفيق ؟ " . وكدت اقول له أين السيجار يا رفيق ؟ . قال "خذها فهي لك ، وأرجو أن تقبلها مني كتعبير عن تقديري لك شخصيا ولفلمك ولنضال الشعب الفلسطيني ". لقد اخجل تواضعي بهذه الكلمات ، وغمرني بدفء نضالي لم أتعرض له في حياتي . شكرته بكل صدق وإنفعال . وقبلت ان آخذ زجاجة واحدة ، ولكنه أصر على أن آخذها جميعها . قلت له أيها الرفيق ، إن هذه الصناعة الفاخرة جدير ان يتعرف عليها جميع العالم ، وهناك كثير من الوفود في المهرجان يتمنون ولو جرعة واحدة من هذا الروم الفاخر ، والمهرجان لا يزال في منتصفه ، فلا تحرم بقية المناضلين منه . أشاح بيده بعد كلمة مناضلين وقد قبل هذه الحجة على مضض ، ولكنه أضاف للزجاجة التي قبلتها زجاجة أخرى .
للأسف الشديد , وباستثناء بعض المقالات الصحفية , لم تجر أية دراسات عن مرحلة ما قبل 1948 , وعن الذين عملوا أثناءها في المجال السينمائي . واعتقد أن الوقت لم يفت كليا للقيام بمثل هذه الدراسات، على الرغم من وفاة ذلك الجيل , ولكن ربما يمكن الاستعانة بالأبناء أو بالأحفاد . لقد ساعدتني الظروف ووفرت لي لقاء مع صالح الكيلاني في طرابلس , ليبيا عام 1972 , حيث كان يقيم ويعمل هناك . وجرى اللقاء على هامش ندوة عن السينما العربية , شاركت فيها , أقيمت في طرابلس في ذلك الوقت . وقد حدثني عن أشياء كثيرة , اذكر منها انه صور فلما غطى فيه وقائع زيارة ملك السعودية في ذلك الوقت إلى فلسطين , والتي كانت تعتبر حدثا هاما في ذلك الوقت . وقد أسفت اشد الأسف لعدم توفر جهاز لتسجيل ذلك اللقاء , والذي جرى مساء , ولكوني مسافر في صباح اليوم التالي . وقد عبرت له عن أسفي وطلبت منه أن يسجل للتاريخ تجربته لأهميتها , وقد وعدني أن يفعل ذلك . والله اعلم أن كان فعل ذلك أم لا .
يتم استعمال وصف (تسجيلي) و (وثائقي) للأفلام بدون تمييز في كثير من الحالات , وبنفس المعنى أيضا . ولا يخلق هذا الالتباس مشكلة في حقيقة الأمر . ولكننا إذا شئنا أن نكون اكثر دقة , فأن كلمة (تسجيلي) تنطبق على الأفلام التي تنتج في الوقت الراهن , وبالأسلوب التسجيلي بطبيعة الحال . أما (وثائقي) , فتنطبق اكثر على الأفلام التي تستعمل الوثائق/الأفلام القديمة , كليا أو بنسبة كبيرة , في عرض موضوعاتها. وعليه , فأن الأفلام التسجيلية (الطازجة) ستصبح مع تقادم الزمن , أفلاما وثائقية .
كان دوري في هذا الفلم ( منتج وكاتب سيناريو ومخرج) . وهذا القول يتناقض مع ما ورد في السؤال بكون الفلم عمل جماعي . ولتوضيح هذا الأمر , أقول لك بأننا , في تلك المرحلة, كنا نتستر تحت يافطة (العمل الجماعي) لإخفاء أسماءنا . كما كان الفدائيون يتسترون تحت أسماء (حركية) , وللأسباب المعروفة للجميع . وفي نفس الوقت , فأن مصطلح (عمل جماعي) لم يأت من فراغ . فقد كان هنالك عمل جماعي فيما يخص (التحليل السياسي) للفلم. وفلم "بالروح بالدم" خضع لمشاورات واسعة مع كثير من الكوادر السياسية , اكثر من أي فلم آخر .
نشرت كثير من المقالات عن السينما الفلسطينية ، مقالات كتبها كتاب فلسطينيون وعرب وحتى اجانب . وقد نشرت هذه المقالات في الصحف او المجلات ذات الاهتمامات العامة ، او المجلات المتخصصة في الثقافة او السينما . ان حصر هذه المقالات يحتاج الى جهد كبير . وحسب علمي ، فان الناقد السينمائي الاردني المرحوم حسان ابو غنيمة قد بذل جهدا كبيرا في هذا الاتجاه .
كصحافة سينمائية فلسطينية متخصصة ، كانت هناك محاولة في مؤسسة السينما الفلسطينية في بيروت ، حيث اصدرنا نشرة فصلية ، ويمكن تسميتها مجلة ايضا ، اسمها " الصورة الفلسطينية" . وقد صدر العدد الاول منها في تشرين الثاني 1978 . اما العدد الثاني من هذة النشرة المتخصصة فقد صدر باسم "الصورة" فقط . ومجموع الاعداد التي صدرت كلها هو اربعة اعداد فقط .
وحدة أفلام فلسطين هي وحدة ألسينما النضالية الفلسطينية التي تأسست في عام 1967 . وكانت مكونة من ثلاثة أشخاص : الشهيد هاني جوهرية وألأخت سلافة ومطيع ابراهيم وعمر المختار ونبيل مهدي وابو ظريف وناصيف وأنا . وعندما قمنا بأول إنتاج تسجيلي وهو فيلم ( لا للحل السلمي الذي تابعه وذهب الى بيروت الاخ صلاح ابو الهنود ) عام 1969 اخترنا اسم "افلام فلسطين" كجهة منتجة للفيلم . ووضعنا في بداية هذا الفيلم (أفلام فلسطين – تقدم ) . وهكذا أصبحت وحدتنا هي وحدة أفلام فلسطين . فيما بعد ، وبعد ألإنتقال إلى بيروت بعد أحداث أيلول 1970 في ألاردن ، تحولت هذه الوحدة إلى اسم آخر هو (مؤسسة السينما الفلسطينية) لم يتمكن هاني او سلافة من ألإنتقال الى بيروت . وذهبت هناك لوحدي وتابعت العمل من هناك . كانت سلافة قد أصيبت برصاصة بالخطأ أدت إلى شلل نصفي وتعطلت عن العمل كليا . كانت إصابتها كارثة ومأساة لاتزال في نفوسنا حتى هذا الوقت . أما هاني فلم يتمكن من ألإنتقال الى بيروت لظروف شخصية وموضوعية وحتى تمكن اخيرا من ألإلتحاق بنا عام 1976 … ويا ليت الظروف منعته دائما ، فقد استشهد بعد وصوله بقليل .
تكونت "جماعة السينما الفلسطينية" عام 1973 ، وتكونت بهذا ألاسم في البداية ثم أضيف لها "في مركز ألأبحاث" بعد أن تم اتفاق بين الجماعة ومركز الابحاث بحيث يكون المركز مقرا للجماعة ويدفع المركز راتبا "لأمين سر الجماعة" الشخص الوحيد المتفرغ لمتابعة شؤون الجماعة .
كانت الجماعة تتكون من (35) سينمائيا وأديبا وشاعرا ومفكرا وكاتبا . وكانت هذه الجماعة من مختلف الجنسيات : فلسطينيون ، لبنانيون ، اردنيون ، سوريون ومصري واحد هو المخرج توفيق صالح – والذي كان يقيم في سورية في ذلك الوقت. ولو كان اسمها "جماعة السينما العربية" ، لما جافت حقيقة تركيبتها ، ولكن لأن الهدف في ألأساس هو دعم السينما الفلسطينية في إطار الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير ، فقد ظل اسمها جماعة السينما ألفلسطينبة .
نعم . لالقاء الضوء على هذا ألأمر يجب العودة إلى الوراء … الى عام 1971 وعام 1972 . ولا بد هنا من التنويه بأن هذين العامين جاءا بعد عام 1970 ، (طبعا) – أي بعد أحداث أيلول في ألاردن في نفس السنة ، والتي أدت إلى اقتلاع العمل الفدائي من قاعدته الرئيسية في الاردن . واصبحت المهمات الرئيسية للقيادة الفلسطينية إيجاد قاعدة بديلة ، وإعادة بناء وتنظيم كل شيء تقريبا . وأمام هذه المهمات الوجودية – بمعنى ان نكون او لا نكون
– كانت السينما تبدو شيئا من الترف . وقد عبر عن هذا بصراحته المعهودة (الشهيد) كمال عدوان ، مفوض الاعلام وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح . واذكر المشهد الذي اخبرني بهذا كانني اعيشه الان . في مكتب "اعلام الاقليم" في بيروت، وكان هذا هو الاسم المتداول لمكتب اعلام فتح في لبنان ، والواقع بالقرب من المنارة عند اخر خط (الترام) ، وكان الوقت قبل الغروب ، كنت اقف على البرندة الغربية للمكتب ، وكان المطر يهطل هطولا هادئا ومنتظما . وكان الأخ كمال عند الاخ فواز ناجية** ، مدير المكتب في ذلك الوقت . لم اكن اعرف ان موضوع السينما يطرح بينهما ، ولكنني استنتجت هذا فيما بعد . واعتقد ان الموضوع طرح لأن الاخ فواز لم يكن يعرف ماذا يفعل تجاه تواجدي في مكتبه ورغبتي – بل مطالبتي – في استعمال المكتب كعنوان ومكان لعملي بعد خروجي من عمان الى لبنان . جاء الاخ كمال وانا اقف على البرندة ، وقال بصراحته المعهودة " يا اخ مصطفى ان الظروف غير ملائمة للسينما ، ان ظروفنا صعبة ، لماذا لا تحاول ان تجد عملا في مكان آخر ؟ " . فوجئت بما سمعت . وعندما ذهب ، بقيت واقفا لبرهة ارقب المطر ، ثم نزلت الدرجات القليلة لاجد نفسي اسير تحت المطر منحدرا من جانب المنارة الى شاطئ البحر . انني لم احضر لبيروت للبحث عن عمل ، لقد جئت لقناعتي الراسخة ان السينما تستطيع خدمة قضية الشعب الفلسطيني ، وانا اريد خدمة هذه القضية .
بعد فترة استأجر الاعلام الموحد شقة في عمارة النصر قرب دوار الكولا في بيروت ، عام 1972. ولست ادري كيف حصلت على غرفة واسعة نسبيا . غرفة "افلام فلسطين" . فقد كان الاخ كمال عدوان مسؤول المكتب ، وكان نائبه الاخ (الشهيد) ماجد ابو شرار . لا اذكر الان اذا كان هذا قد حصل بعد او قبل مهرجان دمشق السينمائي الذي حصلنا فيه على جائزة الفلم التسجيلي عن فلم "بالروح بالدم" . فاذا كان بعده ، وعلى ألأغلب انه حصل بعده ، فلا بد أن الجائزة قد ساعدت في الحصول على الغرفة . ولكن تاثير الجائزة لم يدم طويلا . فبعد فترة ليست طويلة على اي حال ، وانا انتقل من غرفة افلام فلسطين الى الغرفة المجاورة ، كان الاخ ماجد يتحدث تليفونيا مع مكتب المنظمة في الجزائر . وعندما دخلت الغرفة ، كان يدير ظهره للمدخل
حصلت قصة مع الاخ فواز ناجية كما يلي : عندما كنت اتردد على "مكتب اعلام الاقليم" ، وكان فواز مسؤولا عنه ، محاولا ايجاد مكانا لي وللسينما الفلسطينية ، (وقبل الانتقال الى مكتب الاعلام الموحد) ، كنت اضع علب الافلام القليلة التي في حوزتي ، ( ومعظمها عن احداث ايلول) على احدى الطاولات في غرفة بابها مقابل باب غرفة فواز . وكان عندما يأتي الى مكتبه ويراني في الغرفة ، يدخل للسلام علي قبل دخوله لمكتبه . كان دائما ، وعند كل مرة ، يتنقل بنظره بين علب الافلام القليلة وبيني ، ثم يبتسم ويدخل مكتبه . لاحظت هذا الامر بعد تكراره . في تلك الفترة كنت اعمل على مونتاج فلم بالروح بالدم في ستوديو بعلببك ، شرقي بيروت . وكنت قد عقدت صداقة مع مدير المعمل داود البينا ( الفلسطيني الاصل) ، فطلبت منه بعض العلب الفارغة ، مدعيا ان لدي بعض الافلام بدون علب . وفعلا ، استجاب فورا وجهز لي حوالي ستين علبة معدنية كبيرة لقياس افلام ال 35 ملم . نقلت العلب الى مكتب اعلام الاقليم . واخترب وقتا كنت متأكدا فيه ان فواز ليس موجودا هناك . ورتبتها بطريقة بحيث تعطي الانطباع بانها كمية كبيرة ومعتبرة ! . ووزعت الافلام التي لدي على العلب العلوية . وحرصت في اليوم التالي ان اتواجد في المكتب قبل وصول فواز . عندما وصل ، وكنت اخشى ان لا يدخل للغرفة للسلام علي ، ويكتفي بتحية وهزة رأس ، فقد خطوت انا بإتجاهه ، وسلمت عليه باليد ، وجذبته _ بما تسمح به حدود اللياقة – الى داخل الغرفة . ربما يكون تفاجأ من تصرفي ، ولكنني عملت ما كان يعمله معي ، حيث بدأت اتنقل بنظري منه الى العلب وبالعكس . عندما شاهد هذا الكم من العلب تفاجأ وقال " كل هذه افلام ؟ " . وحتى اثبت هذا الانطباع الذي تحقق ، سارعت لفتح علبة تلو اخرى من العلب العلوية التي وزعت عليها الافلام التي كانت لدي - وكنت قد حفظت مواقعها حتى لا افتح علبة فارغة – معطيا انطباعا انها جميعا علب مليئة … حتى اقتنع وطلب مني التوقف عن فتح العلب . حمدت الله انه طلب ذلك ، ولو لم يفعل ، فربما انكشف الامر . ومرت فترة قصيرة من السكون قال بعدها : " اذا كان الامر كذلك ، فأنت بحاجة لغرفة" . وفعلا خصص لي غرفة من غرف المكتب .
فلم يلاحظ دخولي . كان الاخ ماجد يطلب من محدثه على الطرف لآخر " ان يجد عملا لمصطفى عند السينما الجزائرية " . استشطت غضبا ، فأنا لم اطلب منه ان يجد لي عملا في اى مكان . وتذكرت كلمات الاخ كمال على برندة مكتب الاقليم . عندما لاحظ انني سمعت ما كان يقوله بشأني ، ولاحظ غضبي ، حاول ان يخفف الامر علي . ولكنني وجدت نفسي اقول له " هل تريد ارسالي للجزائر ؟ لماذا لا تتفضل حضرتك وتذهب هناك ، انني باق هنا يا اخ ماجد ، ولعلمك ، هذه ثورة الشعب الفلسطيني" . ولكنني ، وبعد هدوء الغضب ، ادركت ان الموضوع لم يكن "شخصيا" ، وربما كان وجود نشاط سينمائي في المكتب يشكل عبئا عليه سواء في الميزانيية او حتى في اقتطاع غرفة كبيرة من حيز محدود ، فقد كان المكتب كله لا يتجاوز شقة واحدة لا يزيد عدد غرفها على ثلاث او اربع . ومهما يكن الامر ، وبالرغم من التبريرات التي خطرت على بالي ، الا انني وجدت نفسي في وضع " الضيف الثقيل" على الاعلام الموحد . وكنت اتنقل بين حالة التفهم ونقيضها . وكنت اقول لنفسي احيانا " اذا كان هذا المكتب لا يريد السينما ، فليذهب للجحيم وسأعمل من خارجه" . وظل الامر يتفاعل في نفسي حتى خطرت لي فكرة انشاء ( جماعة السينما الفلسطينية) ، فبدأت الاتصالات والعمل من اجل تحقيقها.
قمت بتأسيس بيسان فلم عام 1984 في عمان ، الاردن . وقد جاءت هذه الفكرة من باب الضرورة. فبعد احداث غزو لبنان عام 1982 ، وخروج المنظمة من بيروت ، وجدت نفسي امام خيارين : الذهاب الى تونس مع بقية العاملين في الاعلام الموحد ، او الذهاب الى عمان . وقد اخترت عمان لاسباب لامجال لذكرها الان .
عندما نتحدث عن السينما فإننا نتحدث عن اصعب واعقد وسائل التعبير الفني أو الثقافي قاطبة . ولتوضيح المقصود ، فان مقارنة بسيطة بين السينمائي من جهة ، وبين الشاعر أو الأديب من جهة أخرى ، ربما تساعد في توضيح هذا الأمر. فالشاعر والأديب يحتاجان إلى الفكرة، والتجربة، واللغة لإنتاج قصيدة أو