رابعاً : نشأته في بيئة أمية وإتيانه بعلوم إلهية
:
فإذا أضفنا إلى كل ما سبق أن
هذا القرآن بما احتواه من علوم ومعارف مختلفة : إلهية - علمية - تشريعية -
تربوية - اقتصادية .. الخ قد أتى به رجل نشأ كما يعرف القاصي والداني مع
بني قومه في اواسط جزيرة العرب ، في بيئة بدوية من الأعراب ، اتصفت
بالأمية ، قبل 1400 عام .. فنحن إذن أمام معجزة حقيقية لا يجادل فيها إلا
مكابر معاند مستغلق المشاعر ... فإن كنت - أخي القارىء - في شك من ذلك
فالتبحر التفكير بعقلك إلى ذلك الزمن متخيلاً نفسك في تلك البادية متحرياً
حال البدويين. لتخرج بفائدة عظيمة ألا وهي ان هذا الكتاب بما احتواه من
علوم ومعارف لا يمكن أن يكون نتاج تلك البيئة إلا بوحي إلهي ..
خامساً: هل يعقــل ؟
!! :
محمد صلى الله عليه وسلم رجل
أثارت دعوته الى التوحيد حفيظة المشركين وحميتهم بحيث شكلوا خطراً حقيقياً
على حياته منذ اللحظة الأولى التي جهر فيها بدعوته، وكلنا يتذكر الاضطهاد
والأذى اللذان تعرض لهما فترة إقامته بمكة، وكذلك إجماع المشركين على قتله
ليلة الهجرة، كما لم تكن حياته، صلوات الله وسلامه عليه، في المدينة
المُنورة بعد الهجرة أكثرُ أمناً ولا أرغد عيشاً فقد أثارت دعوته حقد
اليهود ومكرهم، حيثُ تشابكت أيدي اليهود والمشركين فشكلوا خطرا مُزدوجاً
على حياة هذا النبي الكريم، وكثُرت المؤامرات الهادفة إلى اغتياله كتلك
التي حاول اليهود فيها إلقاء صخرة عليه وهو في زيارة لحيَهم ، كما حاولوا
تسميمه عن طريق إطعامه بعضاً من شاة مسمومة أثناء زيارته لخيبر، وكما لا
يغيب عن الأذهان غزوة الاحزاب التي اتحد فيها المشركون واليهود لمحاربة
الاسلام واستئصاله، وغيره كثير من المؤامرات الهادفة للقضاء عليه وعلى
دعوته.
لا يُمكن لعاقل أن يُصدق أن رجل مثل محمد، صلى
الله عليه وسلم، والذي انشغل بدعوة الناس دعوة عملية .. وانشغل بأعدائه
... وانشغل بتأسيس الدولة الاسلامية ... وانشغل بفتوحاته المقدسة ... رجل
عانا في حياته الخاصة، لا يُمكن لعاقل ان يُصدق أن هذا الرجل قد جاء بما
في القرآن الكريم من علوم ومعارف مختلفة وتشريعات متنوعة ، لا يمكن لعاقل
أن يتخيل أن كل هذا من نتاج فكر رجل عاش حياة كتلك التي عاشها محمد صلى
الله عليه وسلم ... فلقد كانت حياته مليئة بالمحن والمشاغل التي تتطلب
إنشغال الذهن بأمور بعيده كل البعد عن الإخبار عن حقائق علمية أو التأسيس
لمناهج تربوية ..الخلكنه الله سبحانه وتعالى الذي علم رسوله محمد - صلى
الله عليه وسلم - وأوحى إليه ما أوحى ..
سادساً : مخالفة القرآن لطبع الرسول ، وعتابه له
:
ان من أدلة صدق النبي - صلى
الله عليه وسلم - ما نجده من مخالفة القرآن الكريم لطبع الرسول ، و عتابه
له في المسائل المباحة ، وأخرى كان يجيئه القول فيها على غير ما يحبه
ويهواه ؛ فيخطئه في الرأي يراه ، ويأذن له في الشيء لا يميل إليه كقوله
تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ
لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
[التحريم:1] وقوله تعالى : { وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ
مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ } [
الأحزاب : 37 ] وقوله : { عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ }
[التوبة : 43 ] وقوله : { عَبَسَ وَتَوَلَّى . أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى } lified Arabic] ] .
أيُعقل أن يؤلف محمد - صلى الله عليه وسلم - الكتاب ثم يوجه العتاب إلى نفسه ؟
ألم يكن له في السكوت عنها استبقاء لحرمة
آرائه ؟ بل إن هذا القرآن لو كان يفيض عن وجدانه , لكان يستطيع عند الحاجة
أن يكتم شيئاً من ذلك الوجدان ، و لو كان كاتماً شيئاً لكتم أمثال هذه
الآيات ، و لكنه الوحي لا يستطيع كتمانه { وما هو على الغيب بضنين } �ة : 24 ] .<br />وقد أقر بهذا الدليل بعض المستشرقين ، مثل المستشرق (ليتنر) حيث
قال : مرة أوحى الله إلى النبي وحيا شديد المؤاخذة ؛ لأنه أدار وجهه عن
رجل فقير أعمى , ليخاطب رجلا غنيا من ذوي النفوذ، وقد نشر ذاك الوحي، فلو
كان محمد كاذبا - كما يقول أغبياء النصارى بحقه - لما كان لذلك الوحي من
وجود [11].[/font]
] .<br />
سابعاً: مآثر لا يمكن أن تجتمع إلا لنبي مؤيد من الله
[/font]
] .<br /> : [/font]
] .<br />[/font]
] .<br />لقد اجتمعت في النبي - صلى الله عليه وسلم - مآثر عظيمة مجموعها يدلك على صدق نبوته ، وهي كالآتي :
- كان نبياً يتنبأ كما مر معنا في الدليل الثاني.
- وسياسياً ناجحاً بنى أساس أمة و دولة من لا شيء ، من قبائل و شراذم متفرقة لا تعرف إلا الثأر و التفاخر بالاحساب و الأنساب.
- ومشرعاً وضع قانوناً يشمل الأحوال الشخصية والعقوبة الجنائية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
- وقائداً
عسكرياً ناجحاً وهو ما اقر به خصومه إذ يقول القس يوسف درة الحداد و هو من
اعتي خصوم الإسلام : " كان محمد عبقرية عسكرية و من أعظم قواد العالم
العسكريين فى التصميم و التنفيذ .. و هو يقود الغزوات و الحملات بذاته
يعرف كيف يهيىء الحملة و كيف يقودها و كيف يعود منها غالبا و كيف ينقلب
مغلوبا , و التصرف في حال الهزيمة ابرع من نشوة الظفر , يتوسع بالجهاد
كلما ازداد قوة , و لا يعلن عن أهدافه إلا متى حان وقتها. يعرف كيف يستشير
و كيف يأخذ برأي صائب , و كيف يفرض رأيه في الظرف الحاسم و لو خالف رأى
زعماء الصحابة كما حدث في أسرى بدر و صلح الحديبية و غزو تبوك و يكون هو
بذاته الأسوة الحسنة في المعركة ، فلولا موقفه البطولي في هزيمة أُحد [12] , وحصار المدينة [13] لقضي على الإسلام , و لولا موقفه الجريء في معركة حنين لخسر فتح مكة و نصر الإسلام " .
- وكان صلى الله عليه وسلم إدارياً موفقاً [14] .
- ومُعلماً دينياً.
- وربانياً عابداً [15].
- ولُقب بالأمين فكان مثلاً أعلى في الخلق الكريم [16].
- وفوق هذا و ذاك هو صاحب معجزة عقلية بيانية ألا وهي القرآن الكريم كما مر معنا في الدليل الأول . [/font]
] .<br />
من ذا يسامى هذه المآثر أو يظفر بمثل هذه المنزلة ؟
[/font]
] .<br />
لقد كان الاسكندر فاتحا عسكرياً مظفراً , و تتلمذ على يد أعجوبة البشرية أرسطو و لكنه لم يكن المشرع و لم يكن النبي ..
و كان أعجوبة البشرية أرسطو فريداً في الفلسفة و المنطق و الآداب و
العلوم , و لكنه لم يكن رجل الدولة و لا رجل الدين و لا القائد العسكري .
و كان قيصر رجل دولة و رجل سياسة و آداب و قائداً منتصراً , و لكنه لم يكن
رجل الدين أو المشرع ... وكان نابليون رجل دولة و رجل سياسة و قائداً
عسكرياً و مشرعاً , و لكنه لم يكن صاحب الدين أو رجل اللغة و الأدب أو
المثل الأعلى في الأخلاق .
و كان كل من شكسبير و جوته علما من أعلام الأدب و الشعر و المسرح و
لكنهما كانا أصفاراً في السياسة و التشريع و القيادة العسكرية أو الرسالة
الدينية .[/font]
] .<br />[/font]
] .<br />أين كل هؤلاء الآن وما هو تأثيرهم وأين نبي الله محمد ومدى تأثيره !!!!!
ان الشخصية الباهرة غير العادية للرسول قد فرضت نفسها .. و كل هذا
يصدر من عربي .. فإذا لم يكن هذا وحياً و إذا لم يكن محمد نبياً فان
البديل الوحيد هو أن يكون محمد كما كان يرى اليونان و الرومان إلهاً أو
نصف اله ! (17)
ثامناً : عاش بين أصحابه وأهله وزوجاته : [/font]
] .<br />[/font]
] .<br />لقد عاش محمد بين أصحابه وأهله
وزوجاته ، لذلك لم تكن تصرفاته تخفى على أحد ، فكان كالكتاب المفتوح بينهم
صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. [/font]
] .<br />[/font]
] .<br />وقد تنبه لذلك ( الكاتب الإنكليزي هـ. ج ويلز
) حين قال : ان من أدفع الأدلة على صدق محمد كون أهله واقرب الناس إليه
يؤمنون به، فقد كانوا مطلعين على أسراره، ولو شكوا في صدقه لتركوا الإيمان
به. قلت : ولتركوا التضحية بالموت من أجل دعوته. خصوصا وانهم عاشوا معه
فترات كان الإسلام فيها ضعيفاً ، لم يكن له مال يبذله لهم ولا سيف يخيفهم
به. [/font]
] .<br />[/font]
] .<br />يقول ( ميخائيل طعمه ) : لو لم يكن خلق محمد
عظيماً لأنقلب عليه محيطه ، ولو لم يكن خلق محمد عظيماً لضعف أمام ما
اعترضه من العقبات ، .. ولما قوي على إحداث ما أوجده من الانقلاب العظيم ،
فبدل الضلال بالهدى ، والجهل بالعلم والهمجية بالمدنية [18] . [/font]
] .<br />[/font]
] .<br />ولقد عايش الصحابة رضوان الله عليهم صفة الصدق
فيه - صلى الله عليه وسلم - فلولا صدقه - صلى الله عليه وسلم - لما استمر
الصحابة رضوان الله عليهم في دعوته باذلين من أجلها المال والنفس والتضحية .[/font]
] .<br />
تاسعاً : إن في ذلك لآيَة
[/font]
] .<br /> :[/font]
] .<br />
كثيرا
ما كان القرآن المكي يقص على كفار مكة قصص انتصارات رسل الله السابقين على
أقوامهم المكذبين وكيف أن العاقبة كانت لهم ، معتبراً تلك الانتصارات عبرة
وعظة ، فكان يقول لهم
[/font]
] .<br /> :
" أَلَمْ
يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ
أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ
تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا
فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
". [ التغابن : 5 ، 6 ][/font]
] .<br />
وقال
لهم : " أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ
وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلا
اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ
فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ
وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ... إلى قوله
: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ
أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ
رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ، وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ
مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ .. " [
ابراهيم : 9
[/font]
] .<br /> ][/font]
] .<br />
وهنا
نسأل : لماذا كان القرآن يقص على كفار مكة قصص انتصارات الرسل معتبراً تلك
الانتصارات عبرة وعظة : " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي
الْأَلْبَابِ ". [ يوسف : 111
[/font]
] .<br />]
لا شك - أخي القارىء - بأن
الله سبحانه وتعالى يريد أن يوجه أنظار المكذبين من قوم الرسول - صلى الله
عليه وسلم - ويقول لهم خذوا العبرة والعظة من تلك الانتصارات ، فرسولي
محمد سينتصر عليكم كما انتصر أولئك الرسل على أقوامهم .... [/font]
] .<br />[/font]
] .<br />وبالفعل .. لقد نصر الله نبيه محمداً صلى الله
عليه وسلم وأصحابه على من خالفه وناوأه وكذبه وعاداه فجعل كلمته هي العليا
ودينه هو الظاهر على سائر الأديان وأمره بالهجرة من بين ظهراني قومه إلى
المدينة النبوية وجعل له فيها أنصارا وأعوانا ثم بعد مدة قريبة فتح عليه
مكة فقرت عينه ببلده وهو البلد المحرم المعظم فأنقذه الله تعالى به مما
كان فيه من الكفر والشرك ثم دانت له جزيرة العرب بكمالها ....[/font]
] .<br />[/font]
] .<br />ومن الروعة هنا أن نقارن هذا الانتصار بالآيات
المكية الأخرى أيضاً والتي نزلت في بداية الدعوة الإسلامية وهي تحمل في
طياتها بشرى النصر للرسول - صلى الله عليه وسلم - في وقت كان المسلمون فيه
قلة قليلة مستضعفة : [/font]
] .<br />[/font]
] .<br />قال الله تعالى : " وَلَقَدْ سَبَقَتْ
كَلِمَتنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنْصُورُونَ
". ( الصافات : 172 ) وقال عز وجل " إِنَّا لَنَنْصُر رُسُلنَا
وَاَلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيَوْم يَقُوم
الْأَشْهَاد ". ( غافر : 51 ) أي ننصرهم بوجوه النصر فإن النصر قد يكون
بالحجة ويكون أيضاً بالغلبة في المحاربة وذلك بحسب ما تقتضيه الحكمة
ويعلمه سبحانه من المصلحة ويكون أيضاً بإهلاك العدو وكل هذا قد كان
للأنبياء والمؤمنين من قبل الله تعالى فهم منصورون بالحجة على من خالفهم
وقد نصروا أيضاً بالقهر على من ناوأهم وقد نصروا بإهلاك عدوّهم وإنجائهم
مع من آمن معهم وقد يكون النصر بالانتقام لهم ، فهم لا محالة منصورون في
الدنيا بأحد هذه الوجوه .[/font]
] .<br />[/font]
] .<br />لا شك ان ما مضى لا يمكن أن يتيسر لنبي كاذب على الله ...[/font]