علاقة الاســـــــــــــــرة بالبـــــــــــــــــــيئة

مع تزايد عدد السكان وارتفاع المداخيل الفردية، باتت المتطلبات على النظم الطبيعية لاقتصاديات كثيرة تحدث " عجزا " أيكولوجيا، وفي عشرات البلدان تؤدي الى عجز أيكولوجي من حيث الإفراط في فلاحة الأرض ورعي المواشي وقطع الأشجار وضخ المياه ليخلق منطقة جافة ذات عواصف غبارية تاريخية الأبعاد.

الأخطار الكبرى التي تهدد العالم وصحته من تلوث كيميائي وهو أحد هذه " الأخطار الكبرى " فخلال الخمسين سنة الماضية تم تصنيع أكثر من 75,000 مادة كيميائية أدخلت الى بيئتنا، الى هوائنا، ومائنا وطعامنا وأدواتنا وكل ما نتداوله يوميا من أشياء، ولكثير منها آثار خطيرة على صحتنا الجسدية والذهنية والنفسية، وليس أدل على ذلك من الازدياد المريع في حالات الإصابة بأمراض التنفس والحساسية والسرطان والتشوهات الخلقية.

أكثر من خمسة ملايين طفل يموتون في كل سنة نتيجة أمراض وحوادث لها علاقة بالبيئة التي يعيشون فيها، فحوالي ثلث مجمل الأمراض في العالم تسببه عوامل بيئية. يموت كل سنة حوالي مليوني طفل تحت سن الخامسة نتيجة التهابات تنفسية حادة، وتعتبر الالتهابات التنفسية أول قاتل رئيسي للأطفال الصغار.

انبعاثات الوقود ودخان السجائر داخل المنزل، ومنفوثات السيارات والمصانع في الخارج هي السبب الرئيسي للأمراض التنفسية وتتفاقم الالتهابات بفعل تلوث الهواء داخل المنزل الناجم بشكل خاص عن الطبخ والتدفئة باستعمال أنواع رديئة من الوقود

الإسهال هو ثاني أكبر قاتل للأطفال، ومسؤول عن وفاة 1,3 مليون طفل كل سنة في العالم، وله علاقة مباشرة بتلوث المياه وغياب كفاءة المرافق الصحية. الملاريا التي ينقلها البعوض والذي يتكاثر في المياه الآسنة، تقتل حوالي مليون طفل سنويا، ويموت كل سنة حوالي 50 ألف طفل نتيجة حالات تسمم عرضية، خصوصا بغاز أول أكسيد الكربون الذي ينبعث من المواقد، والمبيدات والمنظفات المنزلية، وتناول العقاقير الموضوعة في تناولهم.

حذرت منظمة الصحة العالمية مؤخرا من خلال يوم الصحة العالمي الذي احتفل به في العاصمة الهندية- نيودلهي في 07-04-2003 من الأخطار الكيميائية التي تهدد الأطفال، ولا سيما من الصناعات غير المنضبطة، والمكبات العشوائية للنفايات السامة، ومنفوثات السيارات في الأماكن المزدحمة.

والتعرض لبعض المواد الكيميائية يلحق أضرارا بالجهاز العصبي للطفل ونموه ووظائف أعضائه، ونبهت المنظمة العالمية للصحة الى ضرورة التأكد من سلامة تخزين وتوضيب واستعمال المنظفات والوقود والمذيبات والمبيدات والمواد الكيميائية الأخرى في البيت ووضع ملصقات واضحة عليها.

تشير تقارير عدة لمؤسسات بيئية عالمية بأن نسبة 25 % من الأمراض المنتشرة على نطاق العالم تُعزى الى الأسباب البيئية، ومعظم هذه الأمراض يبرز مدى تعقيد الصلات بين محددات الصحة المختلفة التي تنشأ ليس فقط من سلوك الأفراد، وإنما أيضا من نوعية بيئات معاشهم وعملهم ويشجع على اتخاذ مفهوم أوسع كثيرا للوقاية من الأمراض، واتخاذ نهج أيكولوجي للصحة يبرز الى حد كبير إمكانية الوقاية منها عن طريق تحسين إدارة البيئة

تشير الدراسات الطبية والبيئية في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين الى أن المجتمعات المدنية تتعرض نتيجة لاستخدام الكهرباء المتزايد وتجهيزاتها الى تلوث لم يكن وقعه معروف من قبل، فالحقول والأمواج الكهرومغناطيسية التي تنتشر في محيطنا وتتغلغل في أجسادنا بشكل دائم وغير ملموس قد تؤثر على صحتنا الحيوية والنفسية

فقد أثارت الدراسات في علوم الطب الوبائي الإحصائي مسائل مهمة تتعلق بالتأثيرات الحيوية (البيولوجية) الضارة والناجمة عن تعرض الإنسان للحقول المغناطيسية ذات التردد المنخفض في المواقع السكنية أو العملية على حد سواء. فقد لوحظ في الموقع السكنية القريبة من خطوط الجهد العالي زيادة إصابات الأطفال بسرطان الدم، ومعدل الإصابة بسرطان الدم الليمفاوي هو أعلى من المعدل المتوقع لدى العاملين في مجال صناعات الطاقة الكهربائية والصناعات المشابهة الأخرى، وامتدت الدراسات لتشمل احتمالات الإصابة بالأورام الدماغية والأوعية والإجهاض المبكر

صدقت أكثر من 190 دولة على أول معاهدة دولية ضد التدخين لتشمل حظرا نهائيا للإعلانات عن التبغ وتستهدف القضاء على عادة تقتل سنويا نحو خمسة ملايين تقريبا كل عام، وتبنت الدول المشاركة في اجتماعات الدورة السنوية للجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية يوم 20-05-2003 بالإجماع اتفاق قرار لمكافحة التدخين وبموجبه فان الدول الموقعة تلتزم بمكافحة " العواقب المدمرة لاستهلاك التبغ والتعرض له"، وتلزم الاتفاقية الدول الموقعة أيضا بحظر الإعلانات أو فرض قيود صارمة على حملات الإعلانات والترويج للتبغ على مدى خمسة أعوام.

وتضع الاتفاقية قواعد جديدة للتحذير من أضرار التدخين على عبوات السجائر وتطرح توصيات خاصة بزيادة الضرائب على منتجات التبغ وتدعو لشن الحملات على تهريب السجائر بالإضافة الى إجراءات أخرى لمحاربة التدخين وصناعة التبغ.

وأبرز التأثيرات على الجنين بعد الولادة ما يسمى بـ" موت المهد " الذي يصيب حوالي 0.7 لكل 1000 ولادة حية، وتزداد نسبته لـ30 % عند الأطفال المولودين لأمهات مدخنات فيما تزداد النسبة لأكثر إذا كان الطفل لأم وأب مدخنين، أي أن تدخين الأم عامل من عوامل موت المهد. هذا فضلا عن الأمراض التي تلحق بالمولود من التهابات الأذن الوسطى،الجيوب الأنفية،اضطرابات النوم وضيق التنفس الليلي.

الغير مدخنين أقل عرضة للإصابة بالأمراض السرطانية من المدخنين إلا أن ذلك عكس الكثير من التأثيرات السلبية على السلامة الصحية وعلى الرغم من استمرار برامج الجمعيات والمنظمات في التوعية من أضرار التدخين إلا أن تقرير منظمة الصحة العالمية الأخير ( إبريل-2003 )، أكد أن التدخين السلبي، أي استنشاق دخان سجائر الآخرين يعرض الأطفال لنحو 4000 مادة كيميائية ويعرف أن أكثر من 40 منها تسبب السرطان، والتدخين السلبي مسؤول عن ملايين حالات الالتهاب في مجرى التنفس السفلي وهو يزيد نوبات الربو والموت الفجائي لدى الأطفال

خلاصة القول، فإننا في حاجة الى حماية كل قطرة ماء... الى توفير الهواء النقي... الى زراعة الأشجار... الى حماية الطيور... والرمال... إننا في حاجة الى إطعام الأطفال البائسين... الى توفير الغذاء والدواء والكساء للمشردين والفقراء... إننا في حاجة ملحة لحماية التربة والصحراء... إن صحة كوكب الأرض يجب أن تكون غايتنا حتى مع أخلاقنا.