وثائق قيام “إسرائيل” تنفي يهودية الدولة :الأربعاء ,28/10/2010
عاطف الغمري
عاد جورج مارشال وزير الخارجية الأمريكية، من البيت الأبيض، يوم 14 مايو/ أيار ،1948 عقب مقابلة غير مريحة مع الرئيس ترومان، بعد أن قرر إعلان الاعتراف بدولة “إسرائيل”، ووجد مارشال في مكتبه بالوزارة، تجمعاً من مساعدي وزير الخارجية يطالبونه بالاستقالة، احتجاجاً على قرار ترومان . ورد عليهم مارشال بقوله: لم أكن أستطيع تغيير قراره، فهو الرئيس المنتخب من الشعب، ولست أنا .
كان مارشال وعدد آخر من كبار رجال الدولة في جانب منع الاعتراف، في مواجهة مجموعة أخرى مؤيدة للقرار، يقودها كلارك كليفورد مستشار الرئيس في البيت الأبيض، المرتبط بالقوى اليهودية . وجاء اعتراف ترومان بعد إقرار قيادة الوكالة اليهودية (ممثلة الحكومة “إسرائيل”) بقيام الدولة الفلسطينية من دون شروط .
وطبقاً للوثيقة الرسمية للاعتراف، والتي قدمت إلى ترومان ليوقعها، والتي وصفت “إسرائيل” بالدولة اليهودية الجديدة، فإن ترومان شطب هذه العبارة بخط يده، وكتب بدلاً منها عبارة (دولة “إسرائيل” الجديدة) . وكان هذا أول اعتراف من أي دولة في العالم ب “إسرائيل” . أكثر من ذلك فإن شهادة الهوية لدولة “إسرائيل” والتي منحتها الصفة القانونية لوجودها، كان القرار رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29 نوفمبر/ تشرين الثاني ،1947 والذي دعا لإنشاء دولتين يهودية وعربية مستقلتين، ونظام دولي خاص لمدينة القدس . بمعنى أن القرار يظل تنفيذه ناقصاً إلى أن تقوم الدولة الفلسطينية، فالقرار من شقين وليس من شق واحد، وهذا من أول أسس شرعية القرار .
وتاريخياً، فإن وعد بلفور الصادر في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917 هو الذي وعدت فيه بريطانيا بوطن قومي للشعب اليهودي، وليس بدولة يهودية . أضف إلى ذلك حاضراً أن معاهدتي السلام بين كل من مصر والأردن، وبين “إسرائيل”، لم تذكرا شيئاً عن دولة يهودية .
معنى ذلك أن كل الوثائق الدولية التي تعتبرها “إسرائيل” أساس شرعية وجودها، لا تعترف بيهودية الدولة، بل كان هناك اعتراض على هذا الوصف ورفض له في جميع هذه الوثائق .
أي أن تكتيك نتنياهو الذي يتمسك باعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، قد يثير جدلاً قانونياً، يرى أنه يهدم الأسس التي قامت عليها “إسرائيل” أصلاً، مادامت دولة “إسرائيل” تسعى لطمس شهادة هويتها الأصلية، وهدم الأساس الذي قبلته لشرعية وجودها .
كذلك فإنها تثير جدلاً حول ما تضمنته هذه الوثائق من ربط عضوي بين الاعتراف ب “إسرائيل” كدولة، وبين قيام دولة فلسطينية مستقلة، وهو ما يعني اسقاط كل حججها ومبرراتها في اشتراط الشكل الذي تقوم عليه الدولة الفلسطينية .
وأمامنا في هذا الشأن واقعة تاريخية مسجلة بالوثائق، ذلك أن الياهو إبستين ممثل الوكالة اليهودية في واشنطن (الذي أصبح في ما بعد أول سفير ل “إسرائيل” في واشنطن)، والذي كان يجري الاتصالات مع الإدارة الأمريكية نيابة عن الوكالة اليهودية والحركة الصهيونية، من أجل ضمان اعتراف الولايات المتحدة ب “إسرائيل”، قد تلقى إخطاراً من كلارك كليفورد مستشار الرئيس بالبيت الأبيض، بأن الرئيس ترومان يريد أن يأتي اعترافه، رداً على طلب رسمي من الجهة المؤقتة المسؤولة عن قيام الدولة، وقدم إبستين بالفعل الخطاب باسم حكومة الدولة الجديدة، ملتزماً فيه بالإعلان عن أن دولة “إسرائيل”، تلتزم بالحدود التي نص عليها قرار التقسيم أي حدود الدولتين “الإسرائيلية” والفلسطينية .
وهذا أمر يشكل أصلاً في كل ما تثيره حكومة نتنياهو، من ادعاءات حول اشتراطاتها للقبول بقيام الدولة الفلسطينية .
أي أن حكومة “إسرائيل” تجر المفاوضات إلى المجهول، وكلما أوغلت فيه، كانت مثل من - نبش في الماضي، الذي دفنت فيه حقائق تكشف الكثير، مما يضع “إسرائيل” من جديد محل مساءلة من العالم الذي يشهد ما يدور .
إن هذه الوثائق تظهر أن العالم لم يعترف يوماً بيهودية “إسرائيل”، وأن شهادة هويتها تخلو من هذه الصفة .
وإذا كانت “إسرائيل” تتمسك بموقعها فإن الجدل الذي تديره، يجر في ركابه كل الوثائق التي لا يعتقد أحد أن “إسرائيل” ترغب في تنبيه العالم لها . خاصة الولايات المتحدة التي كانت حتى مع الاعتراف رافضة لصفة يهودية الدولة وهو الاعتراف الذي ارتبط بقبول “إسرائيل” في الوقت نفسه، لهذا الرفض الأمريكي، وبتسجيل هويتها تحت اسم دولة “إسرائيل”، وليس الدولة اليهودية .