سلام على القرية في الخالدين
بقلم : الداعي بالخير صالح صلاح شبانة
نص لمحاضرة ألقاها كاتبها في رابطة الكتاب الأرنيين / فرع الزرقاء
في يوم الخميس الموافق 22/3/2000م
المدخل :
أسم القرية مصطلح يطلق على منطقة يقطنها سكان، يعيشون على ما تنتجه الأرض والمواشي ، ينتمون للمكان ويعشقون الأرض ويلتصقون بها غراما،من خيرها يأكلون وفي ظلها يعيشون وبقدر الشقاء تكون السعادة ، وبقدر الأمل يكون العطاء ..!!
وسكان القرية مجموعة من الناس ، وحدت الأرض بينهم ، يشتركون بالحب والأمل ، مثلما يشتركون بالفقر والشقاء ، تتعلق عيونهم بالسماء ، فـ بالسماء رزقهم ، تحمله الغيوم مطرا يحيي الأرض الميتة ، فتنبعث منها الحياة ...!!!
بينهم عادات وتقاليد وقيم ، لا يخرج عليها أحد ، لها الأحترام حتى حد القداسة أحيانا ، وهناك روابط مقدسة بين الناس ، وتلاحم وتعاطف وتوادد كبير جدا ...!!
أما الحراثون فهم السواد الأعظم من عمال الأرض ، سدنة الأرض وخدامها أبناءها المخلصين ، فالناس (كلهم عيله وحده ، وما بطلعوا عَ الحراثين المخاتير) ...!!!!
المخاتير :
أما المخاتير ، ومفردهم المختار ، وهو شخص يختاره الناس ليكون كبيرهم ووجيههم والمُعَرِّف عليهم ومندوب الحكومة في القرية ، لديه أختام رسمية تمهر بخاتمه وكان يبلغ الجهات المختصة عن المواليد والوفيات ، وكان يستقبل مندوبي الحكومة مثل موظفي الضرائب والشرطة وغيرهم وكان يفصل بين الناس اذا ما حدث هناك أشكال بينهم ، وكان يتقدمهم في العزائم والولائم ، وطلب العرائس ورد ( الحردانات ) ، باختصار ، كان المختار قائد القرية بكل ما تعني الكلمه ....!!!!
سنجل :
وحتى أكون صادقاً وواقعياً بكل ما انقل وأقول فقد وقع اختياري على قرية سنجل لتكون مادة للحديث والبحث في هذا المقام . لسبب بسيط جداً وهو أني أتشرف بالانتساب لتلك القرية ، ومن الطبيعي أن أعرف كل تفاصيلها ودقائقها ، وأعرف أمالها وأحلامها ، وطرائفها ونوادرها .. أعرف القاب أهلها وانسابهم ، ونقاقيبهم التي لا تخلوا بقعة من الارض من هذه النقاقيب..!!
تاريخ وجغرافيا :
وسنجل عراقه في التاريخ ، روعة في الجغرافيا فهي على راس جبل يرتفع حوالي 800م على سطح البحر ، بناها أحد أمراء الفرنجة ، ريمونت دي سانت جيل أمير تولوز الفرنسي لموقعها الاستراتيجي . وقد آوت يوسف الصديق عليه السلام وحفظته من كيد اخوته الاسباط في جُبها الذي لا يزال ، ريثما مرت قافلة التجار المصريين وباعوه بثمن بخس لعزيزها وصار مالك خزائن الأرض كما قص علينا القرآن الكريم ....!!!
وسنجل اليوم تتآخى فيها المعالم الحضارية القديمة بالمعالم الحديثة ، ويعانق القصر الطابون في صراع مميت بين القديم والحديث ، ولكن القديم للأسف الشديد يتآكل وينسحب أمام زحف الحديث وقد نصحو يوماً من السبات فنجد منازل الطوب والحجر الحديث قد زحفت على بيوت العقد والمعالم الاثرية التي تحمل البصمات والهوية لانتسابنا لتلك الارض في الوقت الذي يصنع اليهود تاريخاً مزيفاً ويزرعون أشجاراً بلا جذور تنبت كالفطر أو الفقع بلا ورق ولا جذور ، لن تلبث وتموت حتى ولو سقيت بالدم كما يفعلون...!!
وسنجل قرية يقطنها نحوخمسة آلاف نسمة ومثلهم في الغربة والشتات تسكنها عشر حمائل ، لتترك تفاصيلها .. ولننطلق الى تراثها وحضارتها ، وما تشترك به كل القرى ....!!!
الكبارة :
أول عمل يقوم به الذي يعزم على بناء البيت ، هو تحضير الشيد الفحل ، والذي كان يستعمل بدل الأسمنت في عصرنا الحالي ...!!!
ولتحضير الشيد يجب القيام بـ (قش) النتش (قطعه) ، وهو شجيرات شوكية تنبت في القرية بغزارة ، وتحضير نحو (2000) كبّاش منه ، والكُبّاش هو ما يملأ الذراعين (العبطة) ، أو الحضن ، وهو عمل شاق ومضنِ ، ولا تستطيع القيام به أسرة لوحدها ، أو بمفردها ، وبعد أن يتم ذلك يتم حفر حفرة بطول وعرض وعمق 3×3×3 م ، وبشكل دائري ثم تبنى بحجارة عقد رجادي (أي دون طين)على شكل قبة بحجارة قاسية جدا ، وتلك المصطلح على تسميتها بـ (المِزّ) ، ويصنع له بابا صغيرا مناسبا ، ليس بالضيق الذي يعيق ادخال النتش ، وليس بالواسع الذي (تهوش) به النار ، أي تخرج ألسنة لهبها على الخصّال الذي يدفع خُصَل النتش بواسطة الشاعوب ، أو الدقران ، الى جوفها ، وتوقد النار باستمرار كنار المجوس لا تنطفئ أبدا من 10-12 فصلا ، كل فصل 12 ساعة ، فإذا حدث توقف النار للحظة قبل نضوج الحجر وتحوله إلى شيد فتفسد الكبارة و (تمذر) وهي مأخوذة من فساد البيض الذي ترقد عليه (القرقه) ، ويذهب كل الجهد سدى ..!!!
وعندما تنضج يبان ذلك من لون النار الضارب الى الخضرة ، ولا تلبث القبة وأن تسقط ، فتترك لمدة اسبوعين ريثما يبرد الشيد ، وبعدها تتقاسم العائلات حصصها وتنقل على ظهور الدواب حيث يكثف غطاء ظهور الدواب كي لا تتأثر من حر الشيد ، وأثناء عملهم في اللتون ، كانوا يهزجون ويغنون :
ولع اللتون ولع ، ولع وانا بطّلَع
النبي يا اهل النبي ، النبي يا أهل النبي
وان ذكرتوا لي النبي ، زال عني تعبي
والتعب والله يزول ، ويزول ويزول
ويزولنه الليالي ، والليالي والشهور
والنبي خاطري أزوره ، وانظر الكعبه ونوره
وانظر الأربع مياذن حايطات بحول سوره
والنبي صلوا عليه ، وألف صلاه عليه
وعلى من زار قبره ، وعلى من حج اليه
وبعد تجهيز المادة الأساسية ، وهي الشيد الفحل ، يبدأون بناء البيت ، وكان البيت كبيرا تتراوح مساحته ما بين 60 – 100 م2 ، تكون غرفة واحدة ، ويبلغ ارتفاعه من 5-6 أمتار ، ويتألف من قاع البيت ، ثم درج يؤدي الى المصطبة ، وهي صحن البيت ، والراوية التي يفصل بينهما حاجز يدعى الخوابي ، والتي تصنع بالعادة من الطين والتبن ، وتستعمل لخزن الحبوب والمونة ، كما تستعمل الراوية وهي الجزء الخلفي للمصطبة لخزن التبن ، ولا تفتح الشبابيك من ناحيتها ، أما المصطبة فهي صالة الجلوس ومكان الطعام ، والنوم ليلا ..!!
أما المطبخ فإما على المصطبة ، أو خلف الخوابي في الراوية ، أو في قاع البيت ، والذي هو مكان اقامة الحيوانات ومخزن الحطب ، أو في فناء الدار (الحوش) الذي يحيطه بالعادة سور عالي ، وتزود المصطبة بداخون ويسمى (الوجاق) حيث تتصل فوهته بالسطح ، أما الشبابيك فهي لا تزيد بالعادة عن 3 شبابيك ، منها اثنان أماميان متلاصقان ، ويسميان بـ (المجوز) ، ويعمل في أعالي الجدران فتحات صغيرة للتهوية تدعى (هلال) ...!!!
والفلاح الفلسطيني كان معنياً بالأمن والسلامة ، سلامته وسلامة ثروته من ماشية ومؤونة أكثر من عنايته بالشمس والهواء والصحة ، فالشمس والهواء يتمتع بهما خارج البيت ..!!
وكان سُمك الجدار لا يقل عن متر بفحجة المعلم البناء ، وكل متر يقاس بفحجة بنّاء البيت ، لذلك كانت تفتح فتحات في الجدار الداخلي لأستعمالها كخزائن ، ويكون عقد البيت على شكل صليب ، والأبواب والشبابيك على شكل قوسي . ولمْ يكن العمال يتقاضون أجوراً ، ولكن معونه لصاحب البيت لأن اختيار وقت الكبارة ووقت البناء كان يتعارض مع المواسم قطف الزيتون والحراثه والحصاد حيث ينشغل الفلاح تماماً . واذا ما تأخر الأقارب والاصدقاء عن المعونه فإن صاحب البيت يدق الشوياش قائلاً :
يا واو : عيب على اللي دشر ولد عمه ما بين نارين واقع
يا واو : يا بيض لا ترغبنش يا لابسات البراقع .. يا واو
وغالباً ما تكون الاستجابة سريعة فيردون عليه بشوباش :
يا واو قولولهم لا تحملوا الهم ، احنا اجينا فوازع
يا واو بارودنا فجفج الدم طريحنا ما ينازع
ومن اغاني البناء والعقد :
لمين هالدار الكبيرة هاللي عَ جال الطريق
هذه الك يا ابو فلان والعطشان يبل الريق
شوف ابو فلان باني عماره بانيها في ذهب ماهي بحجارة
يا مميتي منو بنى بيتين ودار وتهدد الجَمّال من ثقل الحجار
وكان البيت علامة على الاقتدار ووجود المال، لذلك كانوا لا يغفلون عن هذه القضية فيقولون :
لا تحسبونا يا ناس بعنا قمح وبعنا زيت
واحنا دفعنا الشيكات وبنينا على ظهر الحيط
لولانا مقدرين ما عقدنا البيتين ، لا جبنا من بنك ولا اتداينا دين .
واغلب اغاني العقد والبناء هي من الشوباش ، والشوباش كما نقلنا نماذجاً عنه معناه الفخر واصلها كلمة تركيه معناها التاج ...!!!
ومن الاعتقادات انهم يتجنبون الأرض المسكونه بالجن لبناء البيت ، وأنهم يبدأون العمل في ايام الخير مثل الخميس والجمعة والاثنين ، واذا ما حدث ومات بعض العمال او الحيوانات اثناء البناء فذلك يكون علامة شؤم ونحس وخصوصاً اثناء حفر الأساس الذي يشترط ان يكون على ارض صخرية ...!!!
وكانوا يضعون اغصان خضراء او نقود فضية تحت الدواسة ، والتي هي العتبة لإعتقادهم بإن ذلك خير وبركة والنقود تمثل استمرار الخير واليسر . ويضعون الشبة والخرزة الزرقاء وقشرة البيض فوق الباب والشبابيك لرد العين ، وصحن اخضر في اعلى السقف دلالة على الكرم وقراءة المولد النبوي الشريف ...!!!!
المولد :
والمولد النبوي الشريف ، هو قراءة لقصيدة البوصيري ، حيث يقرأها أحدهم ، فيما يرد عليه الآخرون بلازمة :
(صلوا عليه وسلموا تسليما ، الله الله زاد محمدا تكريما)
وُلِدَ الحبيب ومثله لم يُوّلَدُ ، والنور من وجناته يتوقدُ
يا آمنة بُشراكِ ، سبحان من أعطاكِ
يا حاملة محمد ، رب السما هَنّاكِ
وعن قصة رضاعته :
بشراكِ يا حليمة ، بالدرة اليتيمة
يا مرضعة محمد ، قومي اعملي وليمة
وكانو يضعون أمامهم في وسط الحلقة طبقا كبيرا عليه شعير وملح وماء وصابون ، وكل شيء أرادوا له البركة للتبرك به ..!!
وبعد ذلك وليمة قد تكون من لحم الخروف أو الجدي ، أو مما وُجد ، فقد حضرت مولدا على ديك ، والطعام قد يكون من الأرز ، وهو الرقم الأول ، وقد يكون من المفتول ، وقد يكون من جريشة القمح أو البرغل ..!!
الناس :
لا شك أن الناس هم عنصر الحياة والبقاء ، فالناس هم الذين يعمرون الأرض ، والمثل يقول : (الجنه من غير ناس ما بتنداس) ، فالهدف الأول من امتداد العنصر البشري وعمارة الأرض كما أسلفنا رفد الأرض ، بعنصر الحياة ، وهو العنصر البشري ، والذي لا يأتي إلا بالزواج ، فالزواج له اهتمام كبير في حياة الناس ، وهو طاقة الفرح والسرور ...!!!!
الخطبة :
ولا بد وأن يبدأ المشوار بالخطبة ، وكانت معظم الزيجات تتم داخل اطار الأسرة أو الحامولة ، أو القرية ، وقلما تكون العروس غريبة ... حتى أن النساء تستعمل بعض الأمثال الشعبية على شكل أغاني وأهازيج مثل :
عليك بالطريق ولو دارت ، وببنت العم ولو بارت
بنت العم تصبر على الجفا ، أما الغريبة بدها تدليل
وكان يشترط بالعروس أن تكون قادرة على العمل ، وأن قيمتها الحقيقية هي في مقدرتها على العمل في البيت وفي الحقول ، والموارس والكروم ، وكان يقال :
لا يعجبك زينها وبياض خرقتها ، بكره بتيجي الحصيده وبتشوف فعلتها
والله لأكتب جريده على ابريق الزيت ، يا شاطره في الخلا يا معدله في البيت
والله لأكتب جريده عَ بلاط رخام ، يا شاطره في الخلا يا معدله في الدار
ولا شك أن الجمال مهم ، بدليل أن الجميلة تتزوج ، والتي لم تكسب حظا من الجمال قلما تكسب حظا من الزواج يشابه حظ الجميلة ، فكثيرا ما يرددون : (خذها بيضا ولو انها مجنونه) و (لا توخذها من تحت حملة ، ولا من باب طابون) ، والمعنى أن لا يكون احمرار خدودها من الجهد والدفء ، وغير طبيعي من رزح حملة الحطب أو حرارة الطابون ، ولكن : (اخطبها وهي قايمه من النوم ، تشبه البدر يا قوم) ، أي أنها تشبه القمر ، فذلك الجمال الأخاذ ...!!!!
على أي حال ، فإذا كانت العروس من حامولة أخرى ، أو غريبة من قرية أخرى ، فالنساء يقمن بعملية المشاهدة ، ووصف العروس للعريس ، وهذا الدور يصطلح عليه تسميته بـ (الرّم) ، ويتم فحص العروس فحصا دقيقا ، إذ تقبلها لترى لفمها رائحة أم لا ، وتعطيها ابرة لتلضمها ، أو نقودا لتعدها ، لترى قوة بصرها ، أو حبة لوز لتكسرها ، لترى قوة أسنانها ، وينظرن الى نظافة البيت ، فنظافة البيت من نظافة أهله ...!!!
فإذا وقعت في قلب طالب الزواج وقعا حسنا ، عادت النساء وجسسن النبض ، فتتم المشورة داخل أسرة العروس ، فيقدم أهل العريس الجاهة ، وتكون الخطبة ...!!!
وغالبا لم يكن العريس يرى عروسه ، وقد يتحرّق شوقا لرؤياها لزمن لا يعلمه إلا الله ، حتى تجود السماء بموسم خير وبركة ...!!!
أما في سنجل فقد كانت الصبايا يلبسن أجمل ملابسهن ، ويذهبن للعين لملأ (الكازه) وهي التنكة الفارغة ، وكان معظم العرسان يروّن العروس بأنفسهم ، وهذا دليل على أن لسنجل خصوصية تقدمت بها عن سواها من القرى ، هي أقرب إلى السنة التي تبيح النظر من أجل الزواج ..!!
ومن أغاني النساء في الخطبة نأخذ بعض النماذج والتي تقول :
واحنا ذبحنا على الطريق ذبيحه ، لمّا وصلنا دار أبوك يا مليحه
واحنا ذبحنا على الطريق كبشين ، لمّا وصلنا صيت أبوك الزين
قطعنا البحر يا عمي ، على اللي خصرها ضمّهِ
قطعنا البحر بحرين ، على مكحولة العنين
وحين يقتربن من بيت المخطوبة يخاطبن أباها قائلات :
يلله يا فلان فز حيلك ، وضيوف لك ما احنا لغيرك
يلله يا فلان فز حيلك ، واطلع وحيي ضيوفك
ويقلن على لسانه :
والله لطلع واحيي ، واذبح ذبايح تعيي
وحينما يقفلن راجعات بعد اتمام الخطبة يرددن :
خطبنا وحيينا وما بكينا ، عقبال الصدقا والمحبينا
الزواج :
عادة ما يكون الزواج على الموسم ، وقد يتأجل عدة مواسم ، حسب الأرض والأنتاج ، وكثيرا ما كان أهل العريس يضطرون لبيع جزء من الأرض ، رغم أنها غالية على نفوسهم ، عزيزة على قلوبهم ...!!!
والزواج في قرية سنجل يتم بأن يجتمع الناس تحت الميسة ، وهي شجرة من الميس كانت وسط القرية وفي مركزها الرئيسي ، تتوسط ساحة مبلطة بقلاع من الحجر الروماني الأثري ، ولم تكن هناك حاجة لدعوة الناس ، لأن الأفراح في سنجل تكون دون دعوة الناس ، ولكن كل أهل القرية يلتزمون بالحضور وتقديم الواجب ...!!!
وليلة الحناء تجبل النساء الحنة ، ويذهبن إلى بيت العروس ، وتقوم النساء بتهيئة العروس وتحضيرها ، وتقوم امرأة مخصوصة بالحناء بنقش الحناء على جسد العروسة ورسم نقوش جميلة وجذابة من وحي وطبيعة القرية ، وأذكر وأنا دون السادسة من عمري أنني شاهدت حناء عروس ، لا زالت منقوشة في ذاكرتي ، لأن الذكرى في الصغر كنقش الحجر ، وكانت الحنة تتركز على كفي العروس وذراعيها ، وكذلك قدميها وساقيها ، وأذكر أنني سنة 1990 م كنت مسافرا إلى أمريكا ، وأنا متجه إلى طائرة نيويورك ، أخطأت وتوجهت إلى الطائرة التونسية ، وشاهدت حناء وخضاب التونسيات مما ذكرني بتلك الأمجاد الغابرة العزيزة على النفس في سنجل حفظها الله ، وهذا دليل على تشابه المشرق العربي ومغربه ، غير أننا نستعمل الحناء الحمراء الدهماء من شدة حمرتها ، والبعض يستعمل الحناء السوداء ..!!
وأثناء عملية حناء العروس تغني لها النساء أغاني من نماذجها :
هالحنه اللي جبلناه ، بيجي رطلين ووقيه
كله في عرس فلان ، يا ريت منه الذريه
هـَ الحنه اللي جبلناه ، بيجي رطلين وحفنه
كله في عرس فلان ، يا ريت منه الخلفه
منين جبت الحنه ، يا طيب الأصل
من كل عطار شويه ، تـ فريت مصر
أما ليلة الحناء للشباب أو الرجال ، فيصطلح على تسميتها بـ (السحجه) ، أو السامر ، حيث يقف الرجال في صفين متقابلين ، متوازيين ، صف يبدع ، والآخر يرد ، ويهزون اجذاعهم برزانة مع نغمة الغناء ، ثم يحنون قاماتهم الى الأمام ، ويصفقون مرتين ، وعادة ما يبدأون بذكر الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم كقولهم :
واول كلامي مَ اصلي عَ النبي الهادي ، ومحمد اللي يشرفنا على لِعبادِ
واول كلامي مَ صلي عَ النبي المختارِ ، ومحمد اللي يشرفنا على الكفارِ
ثم يحيون الحضور ب قولهم :
يمسيك بالخير يا للي جايينا توّك ، وانت القمر في محلك والنجم ضوّك
يمسيك بالخير يا للي جايينا هـَ الحينِوانت القمر في محلك يا كحيل العينِ
فيرد عليهم الضيوف بقولهم :
يمسيك بالخير يا قوّال يا شاطر ، يمسيك بالخير خلي القول على الخاطر
يمسيك بالخير يا قوال يا عايق ، يمسيك بالخير خلي القول على الرايق
وقد يأخذ السامر أكثر من ساعة متواصلة ، دون كلل ولا ملل ولا تكرار..!!!
أما الشباب ، فيعقدون حلقات الدبكة ، والتي غالبا ما تكون من زريف الطول ودلعونا وجفرا ، وهي نماذج غنائية خفيفة ، تعتمد بالعادة على تشابه السجع في الشطرات الثلاثة الأولى ، وتنتهي بـ (نا) ، جننونا ، شيبونا ، رقصونا ، دبكونا ، وهكذا ...!!
مثل :
على دلعونا ويا مدلعنيه ، صارو يطلبوا في البنت ميه
قال العزابي يا قطع ايدي ، ومنين لي ميه تجيب المزيونا
على دلعونا على دلعونا ، الهوا الشمالي غير اللونا
الهوا الشمالي غير لي حالي ، بدي حبيبي أسمر اللونا
يا طير الطاير يا طير الطاير ، السمرا والبيضا صرن ضراير
بلبق للسمرا لبس الأساور ، وبلبق للبيضا لبس البيتونا
أما الخريفيون فلهم دبكاتهم الخاصة ، حيث لا يبذلون فيها جهدا جسيا كبيرا مثل : الطيارة ، وهي السبعاوية ، والمعانية ، لها ايقاعاتها الخاصة والتي تتميز بالهدوء ، وهناك الجوفية وأكثر ما يغنى بها :
يا ابو سلامة قلبنا اليوم مجروح
جرح غميق وبالحشا مستظل
جابو الطبيب ومددوني على اللوح
قلت برخا لما عشيري يطلي
ظليت انادي واطرق الباب بالسيف
عيو يا بابي هيلك لا يفتحولي
ومما يميز الأفراح في سنجل أنه لا يتم أي اختلاط بين الرجال والنساء على الإطلاق ، لذلك لا توجد لدينا دبكات الحبل المودع أ أو غيرها مما يشتهر في شمال فلسطين والأردن وجنوبي سورية ، وخصوصا في حوران وغيرها ....!!
ومع نهاية السهرة يكون حناء العريس ، وهو الذي يحسم الأستمرار بطقوس الفرح لو مات بعد حناءه من مات ، فلا يؤجل الفرح ، بل يتم حتى نهايته ..!!
ومن أغاني حناء العريس
سَبَل عيونه ومد إيده يحنونه ، خسره رقيق وفي المنديل يلفونه
وفي اليوم التالي يكون حمّام العريس ، حيث يقوم الشباب بحمّامه ، وإلباسه لباسه ، وقد يكون اللباس مستعارا من عدة أشخاص ، القمباز والحطة والعقال والكندرة ، وغيرها ، ولا يعيب العريس ذلك ، وأثناء ذلك يغنون للعريس :
طايح عَ الحمام يا فلان يا بعدي ، والبدله حرير والشعر مندي
طايح عَ الحمّام يا فلان يا بعدي ، والبدله حرير والشعر مندي
مبارك حمام العريس ، بهـَ الساعة الرحمانيه
عرسك والله يا فلان ، عرس غالي عليّ
حمامك يا ريته مبروك ، في دلال امك وأبوك
وكل العالم بحبوك ، بـ هالساعة الرحمانيه
وبعد أن ينتهي من الحمام يغنون له أغاني التلبيس :
البس ويا فلان ومبارك الملبوس ، ثمك يحاكيني وعينك عَ العروس
البس ويافلان ومبارك لعقال ، ثمك يحاكيني وعينك عَ الغزال
وهكذا مع كل قطعة من ملابسه ، حتى يفرغون ويخرجون الى الزفة ..!!!
أما الزفة فهي ذروة الأحتفال في العرس ، إذ بعده تحضر العروس ، ومن ثم يدخل العريس وينتهي الفرح ، حيث يمتطي العريس حصانا ، أو فرسا عليه كثير من الدنادش والزينة ، وحوله الرجال يهزجون ، ومن أغاني الزفة :
قول لي وين أزفك يا فلان يا زين ، من الكعبه الشريفه للحرمين
وبعدها يسيرون ويغنون :
سيروا على ما قدر الله ، واللي كاتبو ربي يصير
عريسنا زين الشباب ، زين الشباب عريسنا
عريسنا عنتر عبس ، عنتر عبس عريسنا
وبعد الإتتهاء من زفة العريس ، يبارك أهل البلد لأهل العرس ، ويعودون الى بيوتهم ، وبعد صلاة العشاء يذهب أهل العريس وحامولته لإحضار العروس إلى بيت عريسها ، ويراها ، وقد تكون تلك الرؤيا لأول مرة ، ويبدءان بتناول الطعام لاستحضار جو من الألفة بينهما ، وهناك تفاصيل قد تحدث وما يصطلح عليها بـ (فك الوطا) ، لا ضرورة لأقحامها هنا ، كوننا نتحدث عن الحياة بشكل عام ولسنا بصدد العرس لوحده .
هذا إذا كانت العروس من القرية ، أما إذا كانت غريبة ، فيؤتى بها باكرا ، ويستضيفا وأقاربها أحد بيوت القرية يكرموهم ويقدون النقوط للعروس ، ريثما يحل المساء ويأتوا بها الى بيت عريسها ، وتتم المراسيم وينتهي الحفل على أمل الثبات والنبات والذرية صبيان وبنات ...!!!!
وقد تجاوزنا عن الحديث عن الكسوة وأشياء أخرى وكلها مهمة ، ولم نخض بالتفاصيل اللازمة كوننا نتحدث عن موضوع شامل ، وقد أخذ العرس وملحقاته أكثر الحديث ..!!!!
آثار الزواج :
لا شك ان الزواج أمل وفرح وحياة بطولها وعرضها ، ولكنه يخلف أشياء كثيرة ، قد تخسر الأسرة قطعة أرض عزيزة وغالية ، ويستنزف العرس كل مدخرات الأسرة ،ويسبب لها الأضطراب وعدم التوازن ، وبنتظرون الموسم القادم لعل وعسى ، ولكن المهم في الأمر أن متطلبات الحياة كانت في ذلك الزمن بسيطة ، والمؤنة موجودة في البيت ، ولا توجد كوارث شرائية كما هذا الزمان ، فكانت الأمور أقل وطأة ...!!!
الزراعة :
لا شك أن الفلاح كان يعيش في موارده على الزراعة ، والزراعة مهنة شاقة لا تعطي الفلاح بقدر ما تأخذ منه ، لذلك تراجعت وتقهقرت وانهزمت أمام الصناعات ، عندما حطم الإحتلال الزراعة وقضى على الأرض الزراعية قضاءا مبرما ، وشجع الشباب على العمل في منشئاته مقابل مردود مادي كبير ، قياسا للزراعة ، وادخل تطورات على الحياة أبعدت الناس عن حياة البساطة والخشونة والشظف ، ولم تعد الزراعة هي مورد الحياة ، ولم تعد الأرض أغلى ما يمكن للأنسان ، ولم يعد ينتظر الموسم والمطر بفارغ الصبر ...!!!
الإستسقاء :
كان الفلاح إذا ما تأخر المطر أحس بالقلق والخوف ، وكان لا بد من الإستسقاء وطلب الغيث من الله سبحانه وتعالى ، وكان لذلك طقوس وتقاليد ، منها ما هو وارد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثل التوبة إلى الله وصيام ثلاثة أيام ودفع الحقوق لأصحابها ، ولباس الملابس الرثة والبالية ، والتضرع والتذلل لله سبحانه وتعالى ، ويخرجون إلى الخلاء بأطفالهم وعيالهم وحريمهم وشيوخهم ، ومواشيهم وبهائمهم للصلاة والإستغفار والدعاء ...!!
أما أهلنا فقد كانوا يفعلون ذلك ، ولكنهم كانوا يتوجهون إلى مقام ولي ، لأعتقادهم بطهارته وايمانه وحب الله لهم ، وفي سنجل كانو يتجهون الى مقام الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف ، والمتعارف عليه بـ (أبو العوف) ، ويحمل كبيرهم الذي يتقدمهم ديكا بحضنه ويردد ويرددون من ورائه :
شوربنه يا طقعه ، يا ام البرد والسقعه
راحت أم الغيث تجيب الرعود ، ما إجت غير الزرع طول القاعود
راحت أم الغيث تجيب المطر ، ما إجت غير الزرع طول البقر
يا ديك يا بو قنبره ، على ايش طلقت المره
عَ الرغيف اللي أكلته ، الله يطعمها حسرته
يا ديك يا بو عُرف أزرق ، يا ريتك في الميه تغرق
حطوا الملح في الجره ، يا الله يفرجها الله
يا بو العوف وانا ناجيك ، رشق الميه يعبر فيك
أبو العوف يا جارنا ، ملي الميه قاع دارنا
وهكذا ، وقد قال لي أحد الشيوخ المسنين في سنجل ، أنهم لم يكونوا يعودون إلى القرية ، إلا وملابسهم مبتلة بماء المطر .. وذلك لعظم ثقتهم بالله تعالى ، ولم يكن سبحانه يخيب لهم رجاء لأطلاعه عز وجل على قلوبهم وصدقهم ...!!!!
الزراعة والنبات :
أما الزراعة التي كانت سائدة فهي موسمية ، الموسم الشتوي ، والموسم الصيفي ..!!
فالموسم الشتوي للقمح والشعير والعدس والذرة والكرسنة والبيكيا ...وغيرها ..!!!
فقد كانوا يحرثون الأرض (كراب) ، وعندما (توفر) أي تمطر كمية وافرة من المطر وينبت العشب ، تحرث الأرض مرة ثانية (ثناية) ، ويبذر الحب لتكون الأرض له دون العشب ، ومع ذلك ينبت العشب وتحتاج الأرض إلى عشابة ، والموسم الثاني للقيطاني والقثائيات والخضروات ، مثل الخيار ، وزراعته كانت قليلة نسبية في القرية قياسا للفقوس ، والذي هو (القثّه) ، والبندورة والشمام والبطيخ والخيار والبامية والكوسا واليقطين والقرع العسلي ، وغيرها ، حيث كانت الخضروات موسمية ، وكان الفلاح يكيف نفسه مع ذلك ، حيث تقطع (تشقح) البندورة نصفيا وترش بالملح وتجفف في الشمس ، وتعصر كذلك وتطبخ ، ويصنع منها الرُب (مية البندورة) ، حيث يطبخ منه عندما لا توجد البندورة الطازجة ، أما المجففة (الناشفة) ، فكانت تنقع بالماء الساخن ، ثم تمرس ويصنع منها شوربة الطعام ، ولكنها كانت تستعمل أيضا للتسلية مع القطين والزبيب في الشتاء عند السهرة أمام (وجاق) النار ، والذي صار يسمى (فيَر بليس) ...!!!!
كانت القرية هي التي ترفد المدينة بالمؤونة والميرة ومن كل ما تنتج الأرض ...!!!
وبعد الزراعة تأتي العشابة ، حيث يتم تعشيب الزرع الذي نبت رغما عن ارادة الفلاح الذي كرب وثنى لتخلص الأرض للزرع دون العشب ، ولكن مع ضرر العشب على الزرع ، إلا أن له فائدة للفلاح ، حيث يتم فرش العشب فوق سطوح البيوت ، فيخفف من حرارة الشمس داخل البيوت ، ويتم تخزينه كغذاء للمواشي بعد انقضاء الربيع ، عندما يقل العشب ، مع ما وجد من تبن وشعير وكرسنة وبيكيا ....!!!
وكان فصل الربيع قصيرا ، مما يصطلح على تسميته بـ (جمعة مشمشية) ، إذ موسم المشمش من أقصر مواسم الفاكهة ...!!!
وسرعان ما يدخل الصيف وتبدأ الموارد الغذائية الطبيعية للناس تنفذ ، حيث يبدأ الشوك في المُرَار ، ويصلب العلك والحميضة واللفيته ، والخس والذبّح ، وذنبة الفرس ، والعكوب ورجل الحمامة والقوص ، وسواها من نباتات كان الأنسان يستعملها لطعامة ومن (روس المعاني) ، أي من قمم الجبال ، ومن السهول وقيعان الوديان ، حيث لكل منطقة خصوصياتها بما ينبت بها من أعشاب ...!!!
وكانوا في الموسم الشتوي يزرعون القرنبيط (الزهرة البلدية) ، وتتميز بلونها الضارب إلى الصفرة ، وورقها الأخضر الذي كان يلف بالبرغل ، أو الفريكة ، فيكون طعمه أجود من الأرز .. وعندما ينزل موسم ورق الدوالي ، وسنجل كانت أشهر من زرع العنب ، يكون الركف (الزعمطوط) واللسين (لسان الثور) ، قد انتهى ، فيستقبل أهل القرية موسم ورق الدوالي ببقرة هرشة كان يذيحها قصاب القرية (ابو مهاوش) فتنضج اللحمة مع ورق الدوالي ، وتكون الطبخة ذكرى سنوية للناس ...!!!
الحصاد :
وبعد ذلك يأتي الموسم الأبرز في السنة وهو موسم الحصاد ، وإن سبقه موسم قطع الفريكة ، ورغم أهمية الفريكة ، إلا أنها لا ترتقي للقمح والبرغل ..!!!
فهي طعام النساء اللواتي يلدن مع الزغاليل والارانب .. والدجاج العتقي ، (الهرش) ...!!!
فالحصيدة لها استعدادات وهي اكثر عملاً في السنة .. فنجد الحصادون يحصدون ويكومون الزرع صرابات على البيادر .. ونجد من يبحث عن سنابل من وراء الحاصدين (يتبعر) أو (يتصيف) ، ورعاة الغنم ليرعوا اغنامهم وراء الحصادين .. وتجد النساء اللواتي يقششن القش الجيد لنسجه اطباق وادوات في الشتاء .. ونجد من يدرس ويذري ، ويعبئ الغلة..!!!
والناس يشعرون بالحمد والشكر واحساس عميق بالتدين ، وألسنة تلهج بالذكر والتسبح ، وتسمية الله ، وعدم ذكر اسماء تخسف البركه مثل القرود والسعادين والشياطين وغيرها ...!!
فحبة القمح هي الرغيف الذي يأمن الفلاح بوجودها من المجاعة وقد جرب بعضهم المجاعة وذاق من أهوالها الويل والثبور وعظاتم الامور ومن اغاني الحصاد ما يبنئ عما ذهبنا اليه من حديث :
زرع سيخ وما عليه وانده الجمال ليه
وانت يا جمالنا يا شيال محالنا
زرعنا واحنا اصحابه بالمناجل ما نهابه
والنبي صلوا عليه الف صلاة عليه
وعلى من زار قبره وعل اللي جح ليه
منجلي يا منجلاه رايح للصايغ جلاه
ما جلاه الا بعلبه ريت هالعبله عزاة
منجلي يا ابو الخراخش طاح في الزرع يطاحش
منجلي يا بو رزه وانا جبته من غزة
المواسم :
وللسنه عند الفلاحين مواسم ، ولا يكاد يمر شهر من السنة دون وقوع مناسبة معينة واهم هذه المواسم ما يقع في الشتاء حيث شهور الشتاء الثلاثة تقسم الي اربعينية مدتها 40 يوما ، تبدأ في 23/12 وتنتهي في 1/2 وخمسينية وهي 50 يوما ، تبدأ في 2/2 وتنتهي في 21/3 وتقسم الى اربعة سعود :
هي سعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الخبايا مدة كل سعد 5,12 يوماً ....!!!!
ثم في شهر نيسان او شهر الخميس يقع خميس الأموات وهي في الاسبوع الثاني من نيسان على حساب ( جمعة نبات وجمعة اموات وجمعة بتغسل اقداح الاموات والموسم ) وفي الاربعينة تقع المستقرضات .. ولكل موسم تفاصيله وعاداته وتقاليده ...!!!
الخضروات :
يعتبر الربيع ذروة سنام الفرح عند الفلاح الفلسطيني ، ففي الربيع تنبت خضروات بريه تتميز بالغذاء والدواء يتناولها في وجباته وتناول منها مواشيه فيزيد ادرار لبنها فيستفيد من انفاحها واجبانها ، خصوصاً بعد ان تلد مواشيه ويستفيد من اثمانها ...!!!
وبعض الخضراوات يجفف ليستعاد منها في غير وقت طلوعها ومن هذه النباتات : العلك ، المرار ، اللسين ، الركف ، اللوف ، البزيز ، القلقسون ، العكوب ، الخرفيش، القريص ، البقله الخبيزة والفرفحنية والقرون مثل الجلثون ( الصبيعه ) والسعيسعه والبريره والحلبه ...!!!
والخس والذبح وذنبه الفرس ، كما أسلفنا ، لذلك لمْ يكن الفلاح يحتاج الى العيادة والمركز الطبي في القرية وكان يعيش في غنى عنها لطبيعة الحياة الصحية....!!!
الحلاق :
ومن هنا يبرز دور الحلاق الذي كان كبيراً فهو يحلق الرؤوس مؤجل للموسم وهو يداوي الجروح والقروح ، ويجبر الكسر ، ويرد الخلع ، ويقلع الاسنان ، ويطهر الصبيان ، ويتعاون احياناً مع الشيخ الذي كان يقدم الرقى والحجابات والتعويذات وغيرها وخصوصاً في بعض الامراض النفسيه المصطلح عل تسميتها بالجنون والهبل ولبس الجن ومسه ، وغيرها ...!!
وكانت هذه المهمات تشتبك مع اعتقادات الناس بحصول القداسة عند بعض الاولياء مثل ابو العوف كما اسلفنا عند ذكر الاستسقاء ، والشيخ صالح ، والشيخ عمرو، غيرهم حيث ينذرون بفرشها بالحُصُر واضاءتها باسرجة الزيت....!!!
وللعلاجات قصص طريفة كثيرة لا يتسع لها المجال ، ولكنها موجودة بقسم التراثيات على موقعي الخاص ، وعلى كثير من المواقع الأليكترونية ، ومقالات الصحف...!!!!
الطوابين :
1- طابون الزبل :
كما اسلفنا ان القمح هو القوت الرئيسي للناس ، وكان يتم طحنه في البابور وكان في سنجل بابور ابو رضوان ، يخدم سنجل والقرى المجاورة . لكن قبل وجوده كانوا يذهبون الى قرى بعيده في محافظة نابلس ، وحتى الى نابلس ذاتها ، وكان يستغرقهم النهار بطوله ، وبعض من الليل ، أو يضطرون للمبيت هناك ، واستقر في أذهان الناس أن للطحنة يوم مهما كانت سريعة ، وظهر مثل (يومك يا طحان) ...!!!
وبعد الطحنة تأتي العجنة لأعداد رغيف الخبز عماد القوت في الحياة ، والذي لا تكون الحياة من دونه ، والفقير مَن فقده ، والغني مَن حصل عليه ، حتى لو لم يجد ما يأكله معه ...!!!
العجنة تتم بوضع كمية مناسبة من الطحين ، في وعاء خشبي أسمه (الباطية) ، وكانت تستعمل لتناول الطعام حيث يفت فيها الخبز ، وشوربة العدس ، أو أي وجبة عائلية أخرى ، أو ما توفر ، بحبوثة ، حريرة ، كل ما يمليء البطن ...!!!
ويضاف للعجنة قطعة خميرة ، وعادة ما تكون عجينة قديمة ذات رائحة نفاذة قد تكون على أبواب العفن ، حتى يخمر العجين بسرعة ، ولا يخبز (عويص) ، وهو الفطير غير المختمر ، ولا يكون لذيذ الطعم ...!!!
وكان الطابون رقم واحد هو طابون الزبل ، الذي يكون على شكل سقيفة صغيرة ، يتوسط أرضيته قحف من الطين وغطاء له يد تدعى (قنزعة) ، وقيل في المثل للمتشابهين ، (اللي دق الغطا دق القنزعه) ، ويوقد بروث الحيوانات (الزبل) ، والقش الخشن (القصوّل – القصل) ، وهو ما خشن من بواقي الحصاد ولا تأكله المواشي ، ومن بواقي الزيتون بعد عصره ، وهو (الجفت) حيث يصنع كرات ملئ اليدين ، تترك في الشمس حتى تجف تماما ، ربما لتقليل الدخان المنبعث من الطابون ، لأن طبيعة الزيت فيه تجعله يشتعل ، ولكن بعد جفافه من المؤكد أنه يعطي حرارة أكثر ..!!
ويجب ان يشتعل على مدار الساعة ، وتشترك عدة عائلات بالطابون الواحد ، وتكون أولوية الخبز لمن كان الطابون في ملكه الخاص ، وللطابون وجبة صباحية عند الفجر ، اسمها (فطور الطابون) ، ووجبة مسائية أسمها (عشاء الطابون) .. وغير الخبز يمكن أن تطبخ فيه وجبات وصواني ، ولعل أشهر أكلاته (المسخن بالطابون)...!!!
وهو مجلس للجيران والناس في الشتاء للأستمتاع بدفئه ، ولم يكن الناس ينفرون من رائحته وعدم تهويته ، وفيه تصاغ أجمل الحكايا الشعبية ، ولعل (خراريف الطوابين) من أروع الحكايات الشعبية ، ولشدة اعتزازي وانتسابي للقرية أطلق عليّ صديقي الشاعر حسن الدباس لقب (شاعر الطوابين) ، وهو لقب أصيل كبير أتمنى أن أكون كذلك ، غير أنني لست شاعرا ، ولا أصنف نفسي كذلك ...!!!!
2- طابون النار :
طابون النار ، هو بناء صغير ، يتكون من طابقين ، يفصل بينهما لوح من المعدن ، غالبا ما يكون غطاء أو قاع برميل ، السفلي كبيت نار لأشعال الحطب ، والعلوي يوضع فيه الرضف ، وهو حجارة صغيرة كرضف طابون الزبل ، إلا أنه (طابون النار) أصغر حجما ، وتكون ملساء من حجارة أو حصى السيل ، يوضع الرغيف فوقها حتى لا يحترق على سطح المعدن ، ولنظافة الرغيف ، وله كل استعمالات طابون الزبل ، إلا أنه يوقد بالحطب والورق ، وأي شيء يحترق ، ولا يستوجب اشتعاله على مدار الساعة ، ومع ذلك تخبز النساء فيه جماعة ، ذلك لأن للخبيز تقاليد خاصة ، وعندما كنت أقيم في سنجل لغاية سنة 2000م وكنت لوحدي ، كانت الجارات يقدمن لي الخبز الساخن كلما خبزن ، وكانت أيام لا تنسى لأنعاش الذاكرة العاشقة التي تنشط حبا وغراما للقرية وأهلها ....!!!!!
3- خبز الصاج :
وهذا الخبز (الشراك) بدوي ، أكثر مما هو فلاحي ، ويسمونه خبز الشراج ، وتكون عجينة أطرى من عجينة خبز الطابون ، والتي تكون أجمد منها ، ويوقد النار تحت الصاج ، وعندما يحمى ترش عليه الماء وتمسحه بخرقة قماش لتزيل ما علق عليه من أوساخ ، ثم تبدأ بخبز الشراج الرقيق ، ولكن البدوية للأمانة أمهر بخبز الصاج من الفلاحة بكثير ...!!!
الأولاد :
عذرا ، إذا كان السياق غير متناسق في السرد ، ولكن ترتيب الأحداث في القرية هو الذي جعل هذه المواربة ، إذ كان من الواجب أن نتحدث عن الأولاد بعد الزواج مباشرة ، لأنهم كانوا (النساء) يسألن العروس من اليوم التالي إن كانت (حوشت) أم لا ...!!!!
المرأة بطبيعتها تتطلع للحبل والولادة ، للأنجاب والأولاد ،لأن الضرة سيف مصلت على رقبتها لو تأخرت ، و..(الشجره اللي ما بتثمر قطعها حلال) يصك أذنيها على مر الساعة ، فالمرأة ترنو إلى دق أوتادها في بيت الزوجية ، والأولاد هم الأوتاد ، فإذا مضى شهر ولم يحدث الحمل (بتدور الشربه معها) ، وتصبح تسأل الداية لتبحث لها عن الحل السحري ، حتى لا تسبقها امرأة تزوجت معها، أو بعدها بأيام، وقد يؤثر على أخواتها إن كانت أولاهن التي تتأهل ، فتعمل هي وأمها وقريباتها على كل خطوط الجبهة ، وتبدأ الداية تجرب خبراتها على فأر تجارب جديد ساقه المولى إليها من أجل صيتها وشهرتها ، وتبدأ الوصفات المجربة والتي هي على حد زعمهن (لطعه بلطعه) ، مثل (التمليس) ، وذلك بدهن البطن ، وتخصيص (أم الأولاد) الرحم بالزيت المقروء عليه مولد ، أو غير المقروء ، و(الترفيع) بوضع صرة ملح مدهونة بالزيت الدافيء على (المولدة) وهي أسم آخر للرحم ، وقفل الظهر ، وذلك بوضع المنخل بشكل عامودي على الظهر ثم بربطه بحبل مع البطن ، ويشد الحبل بمفتاح ، والكي على (بيت الطلق) ، أسفل عظم الحرقف من الأمام ومن الخلف مقابل بعضهما ، واللصقة على الظهر ، وكانت أشهر لصقةهي لصقة كوكس ، حتى كان يقال لثقيل الدم (الله يخرب بيت اللي خلفوه ، لزقة كوكس) ، ثم جونسون ، وكانتا تباعان عند الدكنجي في القرية ، و(لتهبيلة) ، والذهاب الى الحمام والإستحمام على بيت النار والحجب والتعاويذ والرقى وكلها شيطانية تغضب وجه الله وتثير القرف ، وتأباها الفطرة ، تبتلى بها المرأة لو تأخر حملها لشهور قليلة ، أو أكملت الحول ولم يكن ابنها على حضنها ، وتفاصيلها بحاجة الى محاضرة كاملة ، وهي منشورة في أماكن أخرى ...!!!
وللرجل أيضا علاجات يأتي دوره بعد أن تنتهي التجارب على المرأة ...!!!
وعادة ما يفضل الناس الذكور على الإناث ، لأنه (ابن ابنك ابنك ، وابن بنتك لأ) ، وهم بحاجة الى يد الولد مع يد أبيه ، وحتى لا تذهب أرض العائلة خارجها ، وحتى لا يدخل الأسرة عنصر غير مرغوب فيه ، وقد قالوا (البنت عار وبتجيب المعيار وكلب العرعار لجوه الدار)....!!!!
ولأن الولد الذكر يزيد رجال الحامولة رجلا يذود عن حياضها ، ولأن الولد عزوة لأبيه ، فقد كانوا يهزجون :
يا ويلي ويلي هوشه ، في فِـ بلدنا هوشه
يا فلان أبو شوشه ، نادي عَ ربعك نادي
يا ويلي ويلي هَدّه ، في فِـ بلدنا هَدّه
يا فلان يا أبو عِدّه ، نادي عَ ربعك نادي
أما التربية ، فالحديث يطول عنها أكثر أكثر مما يستوعبه هذا الوقت القصير ، ونخشى إذا دخلنا فيه أن نضيع في تاهاته ...!!!
الأسماء :
ما أن تضع المرأة ، حتى يبحثون عن الأسم ، وعادة ما يكون الأسم ديني ، مثل : محمد ، أحمد ، مصطفى ، عبد الله ، يوسف ، موسى ، وهكذا ...!!!
أو مرتبط بالأيام والمناسبات مثل : خميس ، جمعه ، عيد ، ربيع ، سعد ، سعيد ... وهكذا ..!!!
أو بأسماء حيوانات وطيور ، مثل : ذيب ، أسد ، سبع ، صقر ، هيثم ... وهكدا ..!!!
أو أسماء نباتات مثل: تفاحة، لوزه، موزه، ورده ، زهرة ، زهور ، ياسمين ، فله ، حنون ، زيتون ، وهكذا ..!!
أو أسماء فلكية مثل : ثريا ، نجمة ، كوكب... وهكذا ..!!
وطبيعية مثل : رعد ، ندى .. وهكذا ..!!
أو مناسبات خاصة مثل : فرحان ، زعل ، قاسم ، نجاح ، عايده ، عوده ، أسماء .. وهكذا ..!!!
أو لأجل الفأل ، فبعد عدة اناث ، لينتهي مسلسلهن ، ويأتي الذكر أمل الأسرة يسمي : ختام ، تمام ، كفى ، كفاية .. وهكذا ..!!!
أو لأجل التفاؤل مثل : أمل ، نجاة ، سالم ، سلمى ، سلامة ، ... وهكذا ..!!
أو مناسبات وطنية ، مثل : نضال ، جهاد ، حرب ، ثائر ...وهكذا ..!!!
الطهور :
من أهم المناسبات في حياة الذكور هو الختان ، أو الطهور ، فهو عرس بلا عروس ، حيث كانت تقام السهرات والأفراح والليالي الملاح ، والذبح والطبخ والأغاني والرقصات ، وكان الناس يتشبثون في أي مناسبة لأظهار الفرح والسرور ومجاملة بعضهم البعض ..!!!
ومن أغاني الطهور :
طهره يا مطهر وسمي عليه ، وفلان مطهر وذكر الله عليه
طهورك يا فلان و انشرح له قلبي ، وبتقول أمه عاد عليّ ربي
طهره يا شلبي وناوله لأبوه ، يا دميعته عَ خده لولو ونظموه
طهره يا مطهر وناوله لعمه ، يا دميعته الغاليه ونزلت عَ كمه
طهره يا مطهر وناوله لسيده ، ودميعته الغاليه نزلت عَ إيده
طهره يا مطهر وناوله لخاله ، ودميعته الغاليه نزلت عَ ذياله
طهره يا مطهر بالموس الرفيع ، وفلان مدلل عَ مهله تيطيع
وهلم جرا ، الأفراح على قدم وساق ، وتكاليف نصف عرس ، لعدم وجود كسوة ومهر وأثاث ، ويتلقى النقوط والهدايا وغيرها ، وإذا كانت هناك نذور توفى ...!!!
التعليم :
كان التعليم سابقا يتم على يدي شيخ في المسجد ، حيث كان يعلمهم القرآن الكريم والحساب واللغة العربية ، والشعر القديم .. وهكذا ، وكان التعليم مقصورا على الصبيان دون البنات ، وكان الشيخ يتقاضى على ذلك الطعام ، الرغيف والبيضة ، وبعض القمح والهدايا الأخرى ، وكان على رأس كل دعوة أو وليمة ، وكان له الإحترام والتقدير ، لأنهم كانوا متدينين بالفطرة ، والشيخ رجل يحمل في صدره القرآن الكريم ، وهو أقدس مقدسات المسلمين ، حتى كان البعض يتبرك بوجوده ، ويظن أنه أينما حل تحل البركة بالقرآن وعلوم الدين الذي يمثلها ، وإن أخطأ كبشر غير معصوم ، فتلك طامة كبرى ، وكبيرة من الكبائر لا يغفرها له أحد ...!!!
وبقي الحال كذلك حتى تم افتتاح مدرستين ابتدائيتين ، احداهما للصف السادس للذكور ، والأخرى للصف الرابع للإناث ، ثم تطورتا وأصبحتا للثالث الأعدادي للذكور ، وللسادس ابتدائي للإناث ، ثم أصبحت مدرسة الإناث فيما بعد اعدادية كاملة ...!!!
ومن أراد أن يكمل الثانوية يذهب الى رام الله ، حتى فيما بعد اصبح في القرية ثانوية بفرعيها الأدبي والعلمي ، للذكور ، وكذلك للإناث ، وحسب معرفتي لا زال حتى هذا الوقت (2010م) طلاب وطالبات من القرى الغربية يدرسون الثانوية في مدارس سنجل ، وقد أخبرتني الفنانة نجلاء سحويل ، وهي من عبوين / غرب سنجل ، أنها أتمت الثانوية في سنجل ، وعلى هذا أعطيناها الجنسية السنجلاوية ...!!!!!
وأذكر في طفولتي في الستينيات من القرن الماضي أن نسبة الأمية كانت كبيرة جدا ، وكان التعليم قاسيا جدا ، وقد رسمت صورة الأستاذ القديم في تراثية ، أو لوحة من ذاكرة القرية ، مما كان يشجع الأولاد على ترك الدراسة والعمل بالفلاحة مع اهلهم ...!!!
وقد توارث الناس الجهل من عهدين قاتمين، أولهما آواخر العهد التركي ، عهد الأتحاد والترقي ، وجمعية تركيا الفتاة ، ومأساة حصولهم على الحكم ، واصرارهم ، لأنهم من يهود الدونمة على حرب الأسلام وتدمير لغة القرآن التي تجمع المسلمين من أين ما كانوا على العربية ، أمة الرسالة وصاحبة اللغة المقدسة ، التي تقدست بكونها لغة القرآن الكريم ، والأنتداب البريطاني النجس الذي كانت مهمته تكريس الجهل ، لتمرير الوطن القومي اليهودي ..!!!!
وهنا كانت تنمو الخرافات والإعتقادات الفاسدة وتقديس الأضرحة والأولياء ، ولكنها في هذا الزمن قد زالت ، وصار في القرية عدة أئمة من أهلها ومنهم يحمل درجة الدكتوراة مثل الدكتور خالد علوان ويدرس الشريعة في جامعة بير زيت ، على ما كنت أذكر قبل عشر سنوات ، عندما كنت أعيش هناك بواسطة تصريح زيارة عن طريق السلطة الفلسطينية..!!
الصناعات :
اشتهرت سنجل بصناعة الفخار ، وللفخار اهمية كبيرة في حياة الفلاح حيث معظم اثاثه المنزلي يتكون من الفخار ومن القش . فمن الفخار تصنع الصينية والصحن والطوس والجرة والزير والعسلية والشربة والابريق والمغطاس والمتوضاية وقدرة الطبخ . ويصنع الفخار من تراب لونه خاكي يؤتى به ويجبل ويخلط بقطع فخار تطحن ناعماً ، ويجمعها الناس وتسمى عملية جمعها تهشيش وتصنع منها الادوات هذه وتترك في الشمس ريثما تجف وبعدها تحفر حفرة مناسبة تفرش بالجلة ثم توضع هذه الأواني داخلها وتشوى حتى تنضج ويتعرفون على نضجها من صوت رنينهما وقالوا ( طق عَ الفخار بتعرف عيبه ) .
وهناك صناعات اخرى من القش ، ويتم جمع القش في موسم الحصاد ، عندما تتكوم الصرابات على البيادر ، ويحتفظ به حتى فصل الشتاء حيث ينقع بالماء ويصبغ بالوان وتقوم النساء بصنع ادوات البيت منه مثل الطبق ، والجونة ، والقبعة ، والمهفة ، وغيرها من حاجيات الحياة والتي لها استعمالات اخرى كثيرة ، لا مجال لحصرها لحفظ ادوات البيت ....!!!!
وهناك التطريز والتطريز مهم جداً ، فالثياب هوية للمرأة وللقرية ، كانت ولا زالت وتبقى ، ومتى ما انتهت تبدأ الهوية بالتلاشي ، وحاشى لهويتنا أن تتلاشى ، فهي من أدوات المعركة في صراع البقاء ....!!!
وللزمان ، حيث تتأثر هذه التطاريز بالاحداث التي تدور ويمكن اعتبارها مصدر من مصادر التاريخ غير المقروء ..!!!
وهناك صناعات غذائية حينما يكون فائضاً بالانتاج مثل التطالي من الفواكه البرقوق والمشمش والسفرجل ، والدبس من العنب ، وطبخ صلصة البندورة من البندورة اضافة الى تجفيفها وتجفيف القطين من التين الذي نضج وسقط ، فيأخذ الى المساطيح وينشر تحت الشمس غير المباشرة ، حتى يجف وننبخر السوائل منه...!!!
وهي وجبات ثرية ايام الشتاء ، لما فيها من سكريات وطاقة تبعث الدفء في الأوصال..!!
أما البندورة المجففة فكثيراً ما تنقع المرأة القطع المجففة المملحة وتصنع منها أكلات .. او حتى يأكلونها لمجرد التسليه ...!!
ويصنعون الزبيب من العنب ، بنفس طريقة القطين من التين ، والشيعرية من العجين ويسلقون البرغل مثلما حرقوا الفريكة قبل الحصاد وفي موسم الزيتون وهو موسم سنة بعد سنة ، فيعصرون الزيت ، يكبسون الزيتون ويصنعون المملوح .. وهكذا ....!!!
التقاليد :
ولكل قرية خصوصية في تقاليدها ، وفي لهجتها . فكل قرية تحاول ان تكون لها بصمتها وهويتها التي تميزها عن باقي القرى على النحو التي تريد ...!!!
المضافة :
وللقرية خصوصيه اخرى في المضافات او الدواوين او العلالي كما يحلو للبعض ان يسميها والمضافة عباره عن غرفة كبيرة تجتمع فيها الحاموله وقت فراغهم وسهراتهم هي بمثابة صالون لكل فرد ، وفندق لكل زائر وضيف ، الا انها فندق مجاني ويكون فيها فراش وادوات القهوة والشاي ، وحينما يأتي ضيف يقدم له الطعام في المضافة على حساب الحاموله او البلد مثلما هو متفق بينهم . وللمضافة دور في صياغة شخصية وخصوصية القرية ...!!!
الأمثال :
وهناك دور كبير للأمثال الشعبية في تحديد الحسن والسيء والعيب والعادي في حياة الناس . والمثل قول مأثور قيل في مناسبات معينة وهو خلاصة لتجربة وغالباً ما ينطق بالحكمة وفصل الخطاب ، فيكفيك ان تقول مثلاً حتى تنتهي جدلاً بيزنطياً كنت تحسبه لا ينتهي ...!!!
والامثال منها العامة ومنها الخاصة ، اي التي تتميز فيها القرية ولعل مثل ضيفة شهاب في سنجل من ابرز هذه الأمثال ، ومنها عربي ومنها ديني . ومنها ايجابي ومنها سلبي ولكنها تشترك جميعها في صياغة الهوية وتحديد بصمة القرية ...!!!
فمثلاً ضيفة شهاب : ان شهاب ذهب الى قرية اخرى في زيارة فذبحوا له ديكاً واكلوه معاً . وما ان عاد حتى كان مضيفة باثره يرد الزيارة فحلف عن زوجته ان تعطيه الديك حياً . والمثل السلبي مثلاً مثل ( اللي بشاور المره مره ) ، أو ( اذا شفت ناس بعبدوا عجل حشله شوية حشيش ) . وهلم جرا ..!!!!
الموت :
بما ان الموت هو النهاية فقد جعلته في نهاية هذا البحث اوالحديث ان جاز التعبير...!!!
وكما للفرح تقاليد وطقوس ، فـَ للحزن تقاليد وطقوس . فما ان يموت احد انباء القرية حتى يبادرون لحفر القبر وتجهيز الميت من غسله وتكفينه . ثم قبل دخول سماعة المسجد بإذاعة الخبر كانوا يتناقلون الخبر بينهم