فإنكن إن انتظرتن الفضل، لم تفضلن شيئاً ،وإن تصدقتن لم تجدن فقده.
وكانت شاعرة ناثرة ذات منطق وبيان ،
فقالت في زوجها الزبير ،لما قتله عمرو بن جرموز المجاشعي
بوادي السباع ، وهو منصرف من وقعة الجمل:
غدا ابن جرموز بفارس بهمة يوم الهياج وكان غيرمعرد
يا عمر ولو نبهته لو حدته لا طائشاً رعش الجنان ولااليد(6)
(6)أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام لعمر رضا كحالة
وهي من قالت : أيضا
ليس لله محرمبعد قوم
قتلوابين زمزم والمقام
قتلتهم جفاة عكولخم
وصداء و حمير وجذام
وأيضاً من أشعارها
جَزَى اللَّـهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِـهِ
رَفِيقَـيْنِ قَالاخَـيْمَـتَى أمِّ مَعْــبَـد
هُمَـا نَزَلابِالهُـــدَي، فَاهْـَتَـدَتْبِهِ
فَأفْلَحَ مَنْ أمْسَى رَفِيقَ مُحَـمَّــدِ
لِيهْنِ بنى كَـعْـبٍ مَـكَانُ فَـتَاتِـهِـمْ
وَمَقْعَدُهَـا لِلْمُـؤْمِنِينَ بِمَـرْصَــدِ
لِيهْنِ بنى كَـعْـبٍ مَـكَانُ فَـتَاتِـهِـمْ
وَمَقْعَدُهَـا لِلْمُـؤْمِنِينَ بِمَـرْصَــدِ
(حيث ضربت أروع مثل في الصبر و الثبات و القوة في الحق )
كان ابنها عبد الله بن الزبير قد خرج على بني أمية وبايعها لناس في الحجاز
والعراق على الخلافة ودارت بينه وبين بني أمية حروب،
وقد لجأ رضي الله عنه إلى البيت الحرام ،
ولما رأى انه لا طاقة له بحرب بني أمية ذهب إلى أمه أسماء
يستشيرها في الأمر فقال: كيف أصبحت يا أمه؟ قالت: إن في الموت لراحة،
وما أحب أن أموت إلا بعد خلتين: إما أن قتلت فأحتسبك، أو ظفرت فقرت عيني.
قال: يا أمه! إن هؤلاء قد أعطوني الأمان، فماذا تقولين؟
قالت: يا بني أنت أعلم بنفسك، إن كنت على حق وإليه تدعو،
فلا تمكن عبيد بني أمية منك يتلاعبون بك،وإن كنت على غير الحق،فشأنك وما تريد.
قال: يا أمه! إن الله ليعلمأ ني ما أردت إلا الحق، ولا طلبت غيره، ولا سعيت في ريبة قط.
ثم قال: يا أمه! إني أخاف إنقتلني هؤلاء القوم أن يمثلوابي.
قالت: يا بني، إن الشاة لاتألم للسلخ إذا ذبحت.
قال:الحمد لله الذي وفقك،وربط على قلبك! ثم نزل فقاتل حتى قتل."
وحُمل إلى الحجاج وهو مقتول ،فقال:اصلبوه في الحِجَون ،
فصلبوه في الشمس ثم مرت أمه وهي عمياء يقودونها، فقالت: إذا وازيتُه فأقيموني،
ووقفت وهي تبكي وتقول: سلام عليك يا بن حواري رسول الله
والله لقد كنت باراً في شبابك، مطيعاً في كدرك، عابداً في شيخوختك،
فسلام الله عليك حتى ألقاك
وقيل إن ابن عمر دخل معه عليها وابنها مصلوب فقال لها: إن هذا الجسد ليس
بشيء وإنما الأرواح عند لله فاتقي الله واصبري،
فقالت: وما يمنعني من الصبروقد أُهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل .
و في رواية أخرى
في الساعات الأخيرة من حياة عبدالله بن الزبير ذهب إلى أمه أسماء،
ووضع أمامها الصورة الدقيقة لموقفه ومصيره الذي ينتظره ، فقالت له أمه يا بني
أنت أعلم بنفسك ، إن كنت تعلم أنك على حق وتدعو إلى حق ، فاصبر عليه حتى
تموت في سبيله ، ولا تمكّن من رقبتك غِلمَان بني أمية ، وإن كنت تعلم أنك أردت
الدنيا فلبِئس العبد أنت ، أهلكت نفسك وأهلكت من قُتِلَ معك )
قال عبد الله : والله يا أماه ما أردت الدنيا ولا رَكنْتُ إليها ، وما جُرْتُ في حكم الله
أبداً ولا ظلمت ولا غَدَرْت )000قالت أمه أسماء: إني لأرجو الله أن يكون عزائي
فيك حسنا إنسبَقْتَني إلى الله أو سَبقْتُك ،
اللهم ارحم طول قيامه في الليل ،
وظمأه في الهواجر ، وبِرّه بأبيه و بي، اللهم إني أسلمته لأمركفيه ،
ورضيت بما قضيت ،فأثِبْني في عبد الله بن الزبير ثواب الصابرين الشاكرين
وتبادلا معا عناق الوداع وتحيته..
نِعْمَ الصابرة أسماء ونعم المحتسبة ونعم الأم ونعم المربية،فلقد ربت رجالا شجعانا
لا يهابون الموت ولا يخشون الردى ما دامواعلى الحق.
ألا فل يتعلم نساؤنا كيف تكون التربية الحقيقية، فإن الأمة الإسلامية لن تنهض ولن
تعود لسابق مجدها إلا بالتربية.