لا بد ان يظهر صلاح الدين

الزعيم " المتقهقر بأمر نفسه وغيره " هو ليس زعيماً عربياً واحداً ، بل اكثر من زعيم ، فمنهم من ما زال على قيد الحياة يتمسك بالحكم باسنانه ويديه وارجله ويحكم شعبه بالحديد والنار ، ومنهم من غادر الحياة بعدما قهر شعبه وحكمه رغماً عنه .

والتقهقر والجبن والانزواء والتمسك بالصالح الخاص على حساب الصالح العام ليس محصوراً في بعض الزعماء والقادة العرب بل انتقل عبر عشرات السنوات الى الافراد والمواطنين . فالشعوب العربية بعدما كلّت وملّت وسئمت من قادتها وعدم قيامهم بالواجب القومي اتجاه القدس والاراضي العربية المحتلة ، اصبحت لا تختلف كثيراً عن قادتها ، وركزت شغلها الشاغل في الجري من اجل الحصول على رغيف الخبز ، وبشق الانفس .

ان الزعماء المتقهقرين بأوامر انفسهم وغيرهم في عالمنا العربي كثر ، ولا حسد، وقد تقهقروا مراراً ، وفي كل زمان ومكان ، امام الخصم الرئيس للامة العربية الذي ما زال يحتل مدينة القدس اولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى النبي محمد عليه الصلاة والسلام ومعراجه الى السماء ، ويحتل اراضي عربية اخرى ، وهو وصمة عار في جبين كل زعيم عربي من المحيط الى الخليج ، باعتبار هؤلاء الزعماء هم قادة الامة ، وتحرير اي بقعة جغرافية عربية واجب قومي ووطني وديني على هؤلاء الزعماء ، وكيف هو الحال اذا كانت هذه البقعة الجغرافية هي مدينة القدس عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة .

ورحم الله الفنان العربي الراحل فهد بلان عندما غنى وقال – يا ويل اللي بعادينا يا ويل – فكان رد بعض الزعماء العرب المتقهقرين بان قالوا وعلى ارض الواقع – يا ويل اللي بعترض علينا من الشعب يا ويل – وهكذا كان ولا زال حتى اليوم .

فمنذ عام 1967 والقادة الفلسطينيون وعدد من القادة العرب الاحرار الذين اغتيل اغلبهم ناشدوا لانقاذ مدينة القدس من المحتل ، وتحرير كافة الاراضي العربية المحتلة . وكان آخر هذه الصرخات ما قاله الرئيس محمود عباس في مؤتمر القمة العربي في مدينة سرت الليبية باسم الشعب الفلسطيني وعلى مسمع عشرات الملايين من العرب والمسلمين في شتى بقاع الارض بضرورة انقاذ القدس ودعم صمود مواطنيها ، مشيراً الى أن الجانب الاسرائيلي يعمل ليل نهار ومنذ العام 1967 على تهويد المدينة المقدسة ، العاصمة الخالدة لدولة فلسطين ، مؤكداً أن القدس هي درة التاج ، وبوابة ومفتاح السلام في المنطقة .

ومناشدة الرئيس ابو مازن القادة العرب لانقاذ القدس ليست الاولى ولن تكون الاخيرة ، ففي كل مؤتمر عربي واسلامي ودولي لا يفوت الرئيس فرصة دون القاء الضوء على الممارسات الاسرائيلية والى ضرورة التحرك الفعال لانقاذ القدس وازالة الاحتلال عن كل الاراضي العربية المحتلة .

وأيضاً سبقه بذلك الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي امضى طوال حياته وهو يدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني ويستصرخ الامتين العربية والاسلامية للتحرك من اجل تحرير القدس والاراضي العربية المحتلة . لكن لا حياة لمن تنادي ، ففي كل قمة تلقى الكلمات والخطب الرنانة وتصدر القرارات والاحتجاجات والاستنكارات ، وفي نهاية المطاف .. لا تقدم . فالقدس ما تزال محتلة .

وما أشبه اليوم بالامس ، فالضحية دائماً هي القدس وأهل القدس وشعب فلسطين. فعندما سقطت مدينة القدس في يد الصليبيين عام 1099م كانت القدس تحت حكم الفاطميين ، وكانت الامة العربية تعاني من حالة انقسام وخلافات ، وكان لضعف الخلافة العباسية في بغداد من جهة ، والنزاع والتنافس بين السلاجقة الاتراك في بلاد الشام والدولة الفاطمية في مصر من جهة اخرى ، أثر بالغ في ازدياد شوكة الروم وتشجيعهم للانقضاض على المدن الفلسطينية وخاصة مدينة القدس .

وقبل وخلال وبعد احتلال الصليبيين للقدس ارسل اهل القدس وكافة مدن بلاد الشام رسائل ووفوداً عديدة الى خليفة المسلمين في بغداد الخليفة العباسي " المستظهر بأمر الله " يناشدونه بالتدخل لانقاذ القدس ، إلا أن الوفود وفي كل مرة عادت خائبة بسبب ضعف الخليفة وضعف الدولة العباسية .!! وسقطت القدس ، وحاول الفاطميون وأهل المدينة الذين لم يتجاوز عددهم ثلاثة آلاف رجل مقاتل الدفاع عن المدينة ، إلا أن الصليبيين الذين زاد عددهم عن اربعين ألف مقاتل اقتحموا المدينة وقتلوا من أهلها ما يقارب السبعين ألفاً، ولم يتحرك أي جيش اسلامي لنجدة القدس ، حتى ظهر الناصر صلاح الدين وأعد جيشاً جراراً وسار نحو القدس وفتحها وأعادها الى المسلمين عام 1187م وبعد ثمان وثمانين عاماً من الاحتلال الصليبي .

وفي عام 1917 احتلت مدينة القدس مرة اخرى من قبل الجيش البريطاني بعد انهيار الخلافة العثمانية ، واعيد احتلالها عام 1967 من قبل الجانب الاسرائيلي ولا زالت حتى اليوم محتلة في ظل عجز منقطع النظير وحالة ضعف شديدة وانقسامات وخلافات لا حدود لها تشهدها الساحة العربية .

فمنذ عام 1917 وحتى الآن قام الجانب الاسرائيلي بمئات بل آلاف الاجراءات لتهويد المدينة المقدسة ، وارتكب بحق اهلها العديد من الممارسات ومس بالمقدسات الاسلامية والمسيحية ، وصادر الارض وهدم المنازل وأجبر أهلها على الرحيل ، ولم يفعل أي زعيم عربي شيئاً من اجل القدس سوى الاستنكار تلو الاستنكار ، مثلهم كمثل الخليفة العباسي " المستظهر بأمر الله " .

ومنذ عام 1967 وحتى الآن عقدت عشرات المؤتمرات العربية والاسلامية ، وكلها ناقشت الاوضاع في مدينة القدس والاراضي العربية المحتلة ، وصدر في نهايتها قرارات عديدة.

وكان آخر هذه المؤتمرات ، مؤتمر القمة العربي في مدينة سرت الليبية الذي سمي باسم – دعم صمود القدس – فقبل هذه القمة ناشد اهل القدس وفلسطين المؤتمرين في قمة سرت الى انقاذ القدس ودعم صمود اهلها ، وتخليص هذه المدينة من الاحتلال . فالاحتلال مازال يصادر الارض ويبني المستوطنات ، ويغير معالم مدينة القدس الى معالم يهودية.

وخلال المؤتمر الاخير قال الرئيس محمود عباس في كلمته : " اقول لقادة الامة العربية ولشعوبها ، ان القدس وما حولها أمانة وضعها الله سبحانه وتعالى في اعناقنا ، ادعوكم جميعاً للعمل الجاد والعاجل لانقاذها وتوفير كافة الامكانيات لتعزيز صمودها والحفاظ على طابعها التاريخي والحضاري والديني " .

وما ان انهى الرئيس ابو مازن من القاء كلمته الى الامتين العربية والاسلامية لانقاذ القدس ، وقبل أن يلتقط انفاسه ، جاء الرد من احدهم بان الشعب الفلسطيني عليه الاستمرار في القتال حتى تحقيق النصر..؟! متناسياً هذا الزعيم بأن الشعب الفلسطيني مازال يقاتل نيابة عن العرب والمسلمين منذ أكثر من ثلاثة واربعين عاماً من اجل القدس وفلسطين اولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين ، ويدافع عن كرامة العرب والمسلمين ، وقدم التضحيات الجسام ولا يزال ، وان الشعب الفلسطيني لا يمكنه لوحده أن يحرر القدس وفلسطين ويحقق الانتصار دون مساندة العرب على الاقل .

فالقدس وفلسطين جزء من الوطن العربي الكبير ، وتحريرها واجب وطني وديني على كل عربي ومسلم .

فهل يطلب هذا الزعيم " العاجز " كما طلب ويطلب غيره من الزعماء العرب المتقهقرين باوامر انفسهم وغيرهم من الشعب الفلسطيني أن يواجه المحتل لوحده ، ويظل هو وكل العرب قاعدين حتى يقضى على الشعب الفلسطيني بالكامل ..؟!!!

وهل يعتقد هذا الزعيم بأن الشعب الفلسطيني قادر على الفصل وحسم المعركة وهزيمة المحتل لوحده ، متناسياً بأن اسرائيل اصبحت تعتبر سادس دولة نووية في العالم وتقف وراءها اكبر دولة في العالم وهي الولايات المتحدة الامريكية ..؟!! أم أن هذا الزعيم "" عاجز عن فعل شيء ، ويبرر عجزه بتحميل الشعب الفلسطيني عبء مواجهة المحتل لوحده دون مساندة عربية واسلامية حقيقية ..؟!! أم ان هذا الزعيم أراد أن يعزي نفسه ويقول لنا انه ليس الوحيد الذي عجز عن انقاذ القدس من المحتلين ، بل ان هناك الخليفة العباسي " المستظهر بأمر الله " قد عجز ايضاً عن ذلك ، كما يريد أن يقول الى الخليفة العباسي – بأنكم السابقون ونحن اللاحقون – في العجز عن انقاذ القدس وتخليصها من المحتلين ..؟!! .

فالخليفة " المستظهر بأمر الله " (1094م – 1118م) وعندما استنجد به اهل القدس وفلسطين للدفاع عن القدس مسرى النبي محمد عليه الصلاة والسلام ومعراجه الى السماء في مواجهة الغزو الصليبي عام 1099م ، تركهم وحدهم يواجهون مصيرهم ، فقتل الكثير الكثير من المسلمين ، ودمرت أغلب المدينة .

وهاهو اليوم الزعيم " المتقهقر بأمر نفسه وغيره " وهم كثر يعيد التاريخ ويترك الشعب الفلسطيني يواجه المحتل لوحده كأنه يقول – اذهبوا وقاتلوا لوحدكم .. وها نحن قاعدون – لا حول ولا قوة الا بالله .


ورغم ذلك ، فالعرب والمسلمون الذين استطاعوا تحرير القدس من الصليبيين بعد ثمان وثمانين عاماً على يد الناصر صلاح الدين يمكنهم اليوم او غداً او بعد غد ان يستعيدوا القدس ، وأملنا كبير في امتنا العربية والاسلامية وقادتها الاشراف ، ولابد ان يظهر صلاح دين ثان يعيد للامة كرامتها ومجدها وأرضها.

اخي صقر البلد

اخي جبريل

اخي Ac Milan