لم يكن الداعية السعودي يوسف الأحمد وحده هو محور الاستقطاب والتركيز الإعلامي في نهاية هذا الأسبوع، فيما يخصّ الجدل الديني بعدما أثار ما نقل عنه من أنه دعا إلى هدم المسجد الحرام بمكة المكرمة وإعادة بنائه على شكل أدوار تجنباً للاختلاط المحرم، بل شاركه في ذلك ما رصد من ردود أفعال واسعة واكبت مطالبة الكاتب المصري سيد القمني ودعوته لبناء "كعبة" جديدة في الوادي المقدس "طوى" في صحراء سيناء حفظاً للمال القومي، ما أثار ضده نقمة كبيرة متوقعة وانتقادات واتهمت أفكاره بأنها معادية للإسلام.
وفيما سارع الداعية السعودي الأحمد إلى نفي الفهم العام لما قاله، مؤكداً "كل ما طالب به هو إعادة توسعة المطاف ليستوعب أضعاف العدد الحالي (من المصلين). ومتسائلاً: "هل يعقل أن يطالب أحد بهدم المسجد الحرام؟"، وشبه "المحرفين" لكلامه في هذا الموضوع بمن يقول "لا تصلوا" لأن الله تعالى يقول "ويل للمصلين" ما يفسد المعنى".
متنطّعون
وكان من أهم من تعرض لرأي الأحمد القاضي السعودي بالمحكمة الجزائية في الرياض الدكتور عيسى الغيث الذي طالب بإعادة تعليم أصحاب تلك الآراء وتربيتهم من جديد وتوعيتهم وتوجيههم. وأضاف: لم أكن أتوقع أن يصل الأمر إلى هذا الحد ولكن للأسف ثبت هذا بالمقطع الذي رأيته، وعليه يجب أخذ موضوع الغلو والتنطع بكل جدية.
فيما جاء في كلمة صحيفة "الرياض" التي كتبها يوسف الكويليت قوله "ما قاله الشيخ يوسف الأحمد بهدم المسجد الحرام لمنع الاختلاط وبنائه عدة طوابق لمنع ما اعتبره سبباً في الهدم هو أمر يدعو للتساؤل لأن مثل هذه الفتوى لا تقف على شخص ولا جماعة محدودة لو كانت تحقق غاية شرعية".
وأضاف "ثم ألا تُحدث مثل هذه الفتوى فتنة واختلافاً بين كل المسلمين بمذاهبهم وتنوعاتهم لأن مثل هذه الخطوة تعني أننا أمام إفراط في الفتوى التي لا تأخذ المسؤولية من جوانبها المختلفة وردود فعلها الصعبة والخطيرة".
ورفض علماء الأزهر مطالبة الأحمد بهدم المسجد الحرام لحل مشكلة الاختلاط ووصف الدكتور نصر فريد واصل، عضو مجمع البحوث الإسلامية مفتي مصر الأسبق، اقتراح أو مطلب الداعية السعودي بأنه غريب وغير مقبول وأن الاختلاط وإن كان محظوراً من الناحية الشرعية إلا أن هناك ضرورة قد تجعله مباحاً، ومادام الاختلاط يراعى فيه الالتزام بالآداب والأخلاقيات الإسلامية في اللباس والسلوك العام فلا خوف منه ولا حرج فيه.
كعبة سيناء
وعلى الصعيد الآخر وبحسب ما أوضحت صحيفة "الغارديان" البريطانية يوم الجمعة 19-3-2010 حيث ذكرت أن ما طالب به القمني سبب جدلاً ولغطاً واسعين على مستوى المنطقة والعالم عندما طالب ببناء "كعبة في سيناء ضمن إطار مجمَّع ديني يكون مقصداً دينياً وسياحياً"، رافضاً أن "ينفق المصريون مدَّخراتهم على الحج والعمرة".
وسيد القمني اسم معروف جداً في مصر وحاصل على جائزة الدولة التقديرية وقد بقي متمسكاً بمطالباته مؤكداً أنه لا يقصد أن تكون بديلاً للكعبة في الحرم المكِّي في السعودية، إنما كان يتحدث عن إنشاء مكان للعبادة والروحانيات ليقصده الناس من جميع الملل من كل أنحاء العالم. مطالباً بالنظر لآرائه باعتدال حيث يرى أهمية سيناء كمكان يجمع كل الأديان والاتجاهات والملل.
مكان لا تختلف عليه الديانات
وعن خصوصية المكان الذي اختاره أكد القمني: "أخبرنا القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى قد ظهر للنبي موسى في عليقة مضيئة بجبل سيناء المعروف الآن باسم جبل موسى إلى الشمال من جبل كاترين، وأنه بينهما يقع الوادي المقدس طوى الذي كلم الله فيه موسى تكليماً، وأمره بخلع نعليه عند دخوله وادي طوى، بينما لم يأمرنا بخلع النعلين في الحج للكعبة المكية، وهو المكان الذي تجلى الله فيه للجبل فجعله دكاً، وهو شأن لا تختلف عليه الديانات السماوية الثلاث".
وبالطبع طاردت الأفعال الغاضبة الكاتب خصوصاً من التيارات الدينية، حيث أكد أنه مهدد بالقتل، وهو تهديد لم يكن الأول حيث كان قد تلقى تهديدات عدة من مجموعات إسلامية، سواء من داخل مصر أو من خارجها بسبب مؤلفاته وآرائه المثيرة للجدل وليس آخرها الرأي الأخير.
اتهامات بالجنون
من جهة أخرى نقلت "الغارديان" عن بيان ذكرت أنه صادر عن السفارة السعودية في لندن يصف طرح الكاتب المصري بـ"الهراء"، ومؤكداً أن تنفيذ الفكرة أمر "مستحيل، إذ يمكن أن يكون هنالك كعبة واحدة فقط. فهذا مكان مقدَّس، إنه مقدَّس لجميع المسلمين".
ومن جانبه، قال الكاتب محمد صادق دياب في عموده بصحيفة "الشرق الأوسط" وتعليقاً على آراء القمني: "القمني قد سقط سقطته الأخيرة إلى أعماق الهاوية، وانتقل رسمياً من قائمة "الحمقى" إلى قائمة "المجانين"، الذين لا حرج عليهم، ولكن الحرج كل الحرج لمن ينشر لهم، ومما نحمد الله عليه أن مصر بعمق إسلامها وتدينها في غنى عن "كعبة" القمني، وملياراتها الثلاثين".
وأضاف دياب: "سلسلة سقطات القمني طويلة وممتدة ومتواصلة، وفي كل مرة يجد من يقف بجواره بزعم حرية الرأي، فالرجل بارع في التمثيل واستجداء العواطف، وزعم قبل بضع سنوات أنه تلقى رسائل تتوعّده بالقتل، وأن آخر تلك الرسائل أمهلته أسبوعاً ليعلن عدوله عن رؤاه، وإلا فسيكون مصيره القتل، وأعلن يومها الكف عن الكتابة، وإشهار براءته من أفكاره السابقة، وحينها لم يتردد العارفون بطبيعة الرجل في القول إن ادعاء القمني بالتهديد مجرد دجل ونصب ومحاولة للتسول والارتزاق".