فضيلة الشيخ ما هو واجبنا تجاه ما يجري للمسجد الأقصى ،
وتصاعد التهديد الصهيوني له ، وتجاه ما يفعله اليهود في أهلنا فلسطين ،
وما حكم التخاذل والتهاون في ذلك ، وما حكم من يخذل عن جهاد اليهـود ،
ويمنع من نصرة المجاهدين ويحاصرهم في غزة وغيرها أو يتعاون مع الصهاينة ضد
المقاومة ؟!
جواب الشيخ:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبيّنا محمد ، وعلى
آله ، وبعد :
فإنَّ من أوجب واجبات الدين ، وأعظم فرائض الإسلام
، حماية المقدّسات الإسلامية من أعداء الأمَّة ، وعلى رأسها بعد الحرمين ،
المسجد الأقصى المبارك ، وما حوله من من الأرض المقدسة ، مهاجر الأنبياء
عليهم السلام ، ومسرى خاتمهم عليه أفضل الصلاة والسلام ، والتي أورثها الله
تعالى أمّة الإسلام ، وجعل الحفاظ عليها أمانة الله بيدها ، وسمَّى
المفرِّط فيها خائنـاً ، وتوعـَّد من تخاذل عن الدفاع عنها بالعذاب الأليم ،
والإستبدال ، قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا
لا تخونوا الله ، والرسول ، وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمـون ) ، وقد نزلت هذه الآية فيمن أسـرَّ إلى
اليهود خبراً بغير رضى الله ، ورسوله _ صلى الله عليه وسلم _
فكيف بمن أسـلم المسجد الأقصى ، والأرض المقدَّسة ، وأهلها من المسلمين ،
وغيـرهم من المظلوميـن ممن هم في عهد المسلمين ، أسلمهـم إلى اليهـود
بالتثاقـل عن النصرة ، والجهـاد ؟!
وقال تعالى متوعّـداً من يتخاذل عن الجهاد
عموما بقوله : ( إِلاَّ
تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا
غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
) ، فكيف بمن يتخاذل عن جهاد أشد الناس عداوة للمؤمنين ،
المغتصبين لبيت المقدس ، المعتدين على حرمات الأمّة ، وجميع مقدساتها ؟!!
هذا وقـد قال تعالى : ( فما لكم لا تقاتلون في سبيل الله ، والمستضعفين من الرجال ،
والنساء والولدان ، الذين يقولون ربنا
أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ، واجعل لنا من لدنك وليًا واجعل لنا من لدنك نصيرًا ) ،
ومعلوم أنـَّه ليس ثمة طائفة من المسلمين ظُلمت ، واستُضعفت مثل أهلنـا في
فلسطين ، طيلة عقود ، فقـد قُتـل ويُقتل منهم الآلاف ، وشُّـرد ويُشرد
الملايين ، وتُغتصب أرضهم ، وتنتهك أعراضهم ، ويُؤسَـر رجالهم ، ونساؤُهم ،
وتهراق دمـاء أطفالهـم ، وشيوخهـم ، ويغيـَّر حتى تاريخـهم ، وأسماءُ
مدنهـم .
فوالله إنَّ التقاعس عن نصرتهم من أعظم الآثام ،
وأشنـع الإجرام .
وإذا كان الله تعالى قد فرض الجهاد لرفع الظلم عن
المسلمين المستضعفين ، فكذلك الجهاد لرفع الظلم الذي هو في حقِّ مساجد الله
: قال تعالى ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر
فيها اسمه وسعى في خرابها ) ،
وهذه الآية في عموم المساجد ، فكيف بالمسجد الأقصى
المعظم ، أولى القبلتين ، ومسرى خاتم المرسلين ، ومهاجـر النبيين ؟!
،
وهاهـم الصهاينـة يخربون
المسجد الأقصى ، ويمنعون المسلمين من ذكر اسم الله فيه .
،
هذا وقد أجمع العلماء ، واتفقت المذاهب الإسلامية
على أنَّ الجهاد من أعظم الفروض إذا احتل العدوُّ أرضا إسلامية حتى لوكانت
خرابا ، أو مواتا ، على حدود بعيـدة من أرض الإسلام ، وأنَّ جميع النصوص
الواردة في الوعيد على ترك الجهاد تتنزّل على ترك جهاد هذا العدوِّ ،
فكيف يكون هذا الفرض الإسلامي العظيـم إذا كان
المسجد الأقصى هو المحتلَّ ، والأرض المقدسة هي المغتصبة ؟!
،
ولنذكر
فيما يلي مذاهب العلماء في وجوب جهاد المحتل ،
،
ففي فتح القدير لإبن الهمام 5/ 191: ( فإن هجموا على بلدة من
بلاد المسلمين فيصير من فروض الأعيان على جميع أهل تلك البلد النفر ، وكذا
من يقرب مِنهم إن لم يكن بأَهلها كفاية ، وكذا من يقرب ممن يقرب ، إن لم
يكن بمن يقرب كفاية ، أَو تكاسلوا ، أَو عصوا ، وهكذا إلَى أَن يجب على
جميع أهل الإسلام شرقا ، وغربا)
،
وفي شرح الخرشي على خليل 3/111 : ( ذكر هنا أنه قد
يتعين على كل أحد , وإن لم يكن من أهل الجهاد كالمرأة ، والعبد ، ونحوهما ن
كما إذا فجأ العدو مدينة قوم , فإن عجزوا عن الدفع عنهم ، فإنه يتعين على
من بقربهم أن يقاتلوا معهم العدو ، ما لم يخف من بقربهم معرة العدو , فإن
خاف ذلك بإمارة ظاهرة فليلزموا مكانهم )
،
وفي شرح عليش على خليل 3/141 : ( ( وتعيّن )
بفتحات مثقلا أي صار الجهاد فرض عين ( بفجئ ) أي هجوم ( العدو ) أي الكافر
الحربي على قوم بغتة ولهم قدرة على دفعه أو على قريب من دارهم فيلزم كل
قادر على القتال الخروج له وقتاله ... ( و ) تعين الجهاد ( على من بقربهم )
أي من فجأهم العدو ( إن عجزوا ) أي من فجأهم العدو عن دفعه إن لم يخش غير
المفجوئين معرة على نسائهم ، وعيالهم ، وبيوتهم من عدوّ بتشاغلهم بالدفع
عمن فجأهم العدو , وإلاَّ تركوا إعانتهم ... ) .
،
وفي نهاية المحتاج للرملي 8/59: (
فإن دخلوا بلدة لنا ، أو صار بيننا ، وبينهم دون القصر، فيلزم أهلها الدفع
حتى على من لا جهاد عليه من فقير ، وولد ، ومدين ، وعبد وامرأة ) ،
،
وفي أسنى المطالب 4/ 178 : ( ولو نزلوا ) أي
الكفار ( على خراب ) أو موات ولو بعيدا عن الأوطان ( من حدود ) دار (
الإسلام تعين دفعهم ) كما لو دخلوا بلاد الإسلام ).
،
وفي تحفة المحتاج 9/235 ، وقريب منه ما في نهاية
المحتاج 8/59-60 : ( ( الثاني ) من حالي الكفار ( يدخلون ) أي : دخولهم
عمران الإسلام أو خرابه أو جباله كما أفهمه التقسيم , ثم في ذلك يفصل بين
القريب مما دخلوه والبعيد منه . فإن دخلوا ( بلدة لنا ) أو صار بينهم
وبينها دون مسافة القصر كان خطبا عظيما ; ( فيلزم أهلها ) عينا ( الدفع )
لهم ( بالممكن ) من أي شيء أطاقوه , ثم في ذلك تفصيل : ( فإن أمكن تأهب
لقتال ) بأن لم يهجموا بغتة ( وجب الممكن ) في دفعهم على كل منهم ).
،
و في الإنصاف للماوردي 4/117: ( إذا
نزل الكفار على بلد المسلمين تعين على أهله النفير إليهم ) ،
،
وفي حاشية بن عابدين 3/24: ( وفرض
عين إن هجم العدو على ثغر الاسلام فيصير فرض عين على من قرب منهم ، فأما من
ورائهم ببعد من العدو ، فهو فرض كفاية إذا لم يحتاج إليهم ، فأن عجز من
كان بقرب العدو عن المقاومة مع العدو ، أو لم يعجزوا عنها ، ولكنهم تكاسلوا
، ولم يجاهدوا ، فإنه يُفترض على من يليهم فرض عين ، كالصلاة ، والصوم ،
لا يسعهم تركه إلى أن يُفرض على جميع أهـل الإسلام ، شرقاً وغرباً ، وعلى
هذا التدرج ).
،
وفي المحلى لإبن حزم 5/341 : ( ولا يجوز الجهاد
إلاَّ بإذن الأبوين إلا أن ينزل العدوُّ بقوم من المسلمين ففرض على كلِّ من
يمكنه إعانتهم أن يقصدهم مغيثـاً لهم أذن الأبوان ، أم لم يأذنا).
،
وفي السياسة الشرعية لابن تيمية 171 : ( فأما إذا
أراد العدوّ الهجوم على المسلمين فإنه يصير دفعه واجبا على المقصودين كلّهم
, وعلى غير المقصودين , لإعانتهم ... وهذا يجب بحسب الإمكان على كلّ أحد
بنفسه ، وماله , مع القلة ، والكثرة , والمشي ، والركوب , كما كان المسلمون
, لما قصدهم العدوُّ عام الخندق ولم يأذن الله في تركه أحدا العدو ) .
،
وله كما في الفتاوى الكبـرى
5/539 : ( إذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب ،
فالأقرب إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة , وأنه يجب النفير
إليه بلا إذن والد ، ولا غريم ) .
،
هذا .. أما حكـم من يصطفّ
مـع الصهاينـة ، بأيِّ عمـل كان ، بمحاصرة المجاهدين ، أو إعاقة جهادهم ،
أو التضييق عليهم ، أو التعاون مع اليهود في عدوانهم بأيِّ شكل ضـدّ
المقاومين ، بالتعاون الأمني ، أوالإستخباراتي ، أوالسياسي ، أو بالفتوى ،
أو غير ذلك ،
أو بتوقيع المعاهدات مع
اليهود المتضمّنة التنازل عن أيِّ حقِّ للمسلمين في فلسطين ، أو ما يُسمَّى
( التطبيع ) معهم ، أو منع نصرة المجاهدين في فلسطين ، بالمال ، والنفس ،
أوغيرهما من وسائل النصرة ،
فهذا هو التولـّي للكافرين
الذين جعل القرآن العظيم أعظم الخيانة للمسلمين ، والدخول في زمرة أعداء
الدين .
،
كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء )
وقال : ( يا
أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ،
ومن يتولهم منكم فإنهم منهم ، إنَّ الله
لا يهدي القوم الظالمين )
،
وقال : ( إنما ينهاكم الله عن
الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم
وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ، ومن يتولهّم فأولئك هم الظالمون
) .
،
هذا وإن الواجب اليوم على
الأمة الإسلامية التداعي لنجدة المسجد الأقصى ، والتحرك السريع لدعم الجهاد
في فلسطين ، لحماية بيت المقدس ، ومقدسات الأمة ، وذلك :
،
أولا : بفك الحصار عن غـزّة
العــزّ ، وفتح مكاتب لفصائل المقاومة الفلسطينية ، في كلّ البلاد العربية ،
والإسـلامية ، والتأليف بينها .
ثانيا : التحرك لإطلاق كلّ السجناء في سجون
دايتون عباس في الضفة ، وتحسين أوضاع ، ورفع معاناة ، كلِّ الفلسطينيين
داخل ، وخارج فلسطين.
ثالثا : دعم الجهاد الفلسطيني بكلّ ما يحتاجه من
دعم معنوي ، ومادّي ، لتنطلق الإنتفاضة الثالثة ، لحماية المقدسات .
رابعا : إيقاف مهزلة المفاوضات العبثية ، ومقاطعة
كلِّ من ينخرط فيها .
خامسا : محاربة كلِّ أشكال التطبيع مع الكيان
الصهيوني ، والتصدّي لدعواته.
سادسا : إعادة إصطفاف الأمـّة حول قضية فلسطين ،
بما في ذلك تكوين اللجان ، وتفعيل وسائل الإعلام ، ودور الدعاة ، والمفكرين
..إلخ
سابعا : محاصرة فكر الإنهزام النفسي ، وكشف زيف
التيـّار المروّج له في بلادنا ، وتشجيع الفكر المقاوم ، وبثّ روح الجهاد ،
ونشر ثقافة الدفاع عن الهوية ، والحقوق ، وإستقلال إرادة الأمة ، وتبنـّي
مشاريع طرد المستعمر ، وإخلاء بلاد الإسلام من الوجود الأجنبي التابع له .
وهذا كـلُّه من الفروض التي لايجوز التقاعس عنها ،
والمتخاذل عنها من أعظم المجرمين ، و المثبـِّط عنـّها من أشد الصادّين عن
الدّيـن.
هذا .. وقـد قـال الحق سبحانه : ( أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإنّ الله على نصرهم لقدير
) .
وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( لن يبرح هذا
الدين قائما ، يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة ) رواه مسلم
ووعد الله الحق أن ينصر هذه الأمة أن هي نصرته ،
ويعزها إنَّ هي جاهدت في سبيله قال تعالى : ( إن تنصروا
الله ينصركم ) وقال تعالى ( ولاتهنوا ولاتحزنوا
وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم تسليما كثيرا .