الاستيطان الصهيوني في فلسطين حتى عام 1948
المبحث الأول
ثانيا: بداية الاستيطان اليهودي في فلسطين بدأت فكرة الاستيطان في فلسطين، تلوح في الأفق، بعد ظهور حركة الإصلاح
الديني على يد مارتن لوثر في أوروبا، حيث بدأ أصحاب المذهب البروتستانتي
الجديد بترويج فكرة تقضي بأن اليهود ليسوا جزءاً من النسيج الحضاري
الغربي، وإنما هم شعب الله المختار، وطنهم المقدس فلسطين، يجب أن يعودوا
إليه ، وكانت أولى الدعوات لتحقيق هذه الفكرة ما قام به التاجر الدنماركي
أوليغربولي عام 1695، الذي أعد خطة لتوطين اليهود في فلسطين، وقام
بتسليمها إلى ملوك أوروبا في ذلك الوقت، وفي عام 1799، و كان الإمبراطور
الفرنسي نابليون بونابرت أول زعيم دولة يقترح إنشاء دولة يهودية في فلسطين
أثناء حملته الشهيرة على مصر وسوريا .
واشتدت حملة الدعوات للمشروع
الاستيطاني اليهودي في فلسطين في القرن التاسع عشر، حيث انطلقت هذه
الدعوات من أوروبا مستغلة المناخ السياسي السائد حول الأطماع الاستعمارية
الأوروبية في تقسيم ممتلكات الرجل المريض"الدولة العثمانية" والتي عرفت
حينئذ بالمسألة الشرقية، وقد تولى أمر هذه الدعوات عدد من زعماء اليهود
وغيرهم،أمثال:اللورد شاتسبوري، الذي دعا إلى حل المسالة الشرقيـة عن طريق
استعمـار اليهـود لفلسطيـن ، بدعم من الدول العظمى ساعده في ذلك اللورد
بالمرستون"1856-1784"، الذي شغل عدة مناصب منها، وزير خارجية بريطانيا، ثم
رئيس مجلس وزرائها حيث قام بتعيين أول قنصل بريطاني في القدس عام
1838وتكليفه بمنح الحماية الرسمية لليهود في فلسطين،كما طلب من السفير
البريطاني في القسطنطينية بالتدخل لدى السلطان العثماني للسماح لليهود
بالهجرة إلى فلسطين .
وبعد ظهور الحركة الصهيونية كحركة سياسية عملية
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، سعت هذه الحركة إلى السيطرة على
الأراضي الفلسطينية، وكان من أبرز نشطائها لورنس أوليفانت 1888-1820 والذي
كان عضواً في البرلمان الإنجليزي، وعمل أيضاً في السلك الدبلوماسي
الإنجليزي، اعتقد بضرورة تخليص اليهود من الحضارة الغربية بتوطينهم في
فلسطين، وذلك بإدخالهم كعنصر لإنقاذ الدولة العثمانية من مشاكلها
الاقتصادية، لما يتمتع به اليهود من ذكاء في الأعمال التجارية ومقدره على
جمع الأموال، ومن أجل ذلك قام في عام 1880م بنشر كتاب بعنوان أرض جلعاد
اقترح فيه إنشاء مستوطنة يهودية شرقي الأردن شمال البحر الميت، لتكون تحت
السيادة العثمانية بحماية بريطانية، وكذلك شجع استعمار اليهود في فلسطين
والمناطق المجاورة عن طريق إقامة مستعمرات جديدة ومساعدة القائم منها .
وبالإضافة إلى أوليفانت حاول العديد من زعماء اليهود في القرن التاسع عشر
القيام بمشاريع لتوطين اليهود في فلسطين،ومن بين هؤلاء مونتفيوري
(1784-1885) الذي حاول استئجار 200 قرية في الجليل لمدة 50 عاماً مقابل
10%-20% من إنتاجها، إلا أن هذه المحاولة فشلت أمام رفض الحاكم المصري
لبلاد الشام آنذاك،ثم نجح في الحصول على موافقة السلطان العثماني بشراء
عدد من قطع الأراضي بالقرب من القدس ويافا، واسكن فيها مجموعة من العائلات
اليهودية، إلا أن هذه الخطوة أخفقت أيضاً تحت تحفظ السلطات العثمانية
لمشاريع الاستيطان في فلسطين،كما بذل وليم هشلر جهوداً في جمع تبرعات
مادية وإرسالها إلى الجمعيات الصهيونية لتشجيع الاستيطان في فلسطين تحت
الحماية البريطانية" .
أما المبشرون الأمريكيون فقد ساهموا في عودة
اليهود إلي فلسطين ففي عام 1814 وقف القس جون ماكدونالد راعي الكنيسة
المسيحية داعيا إلي أن اليهود يجب أن يعودا إلي أرض صهيون ، ولقد تبعه
العشرات من المبشرين الذين دعوا إلي نفس الفكرة ففي النصف الأول من القرن
التاسع قام أحد قادة البروتستانت بالهجرة إلي فلسطين وأنشأ هناك مستوطنة
زراعية يهودية لتدريب المهاجرين اليهود علي الزراعة ، وكذلك قامت السيدة
كلواندا مانيور زوجة أحد كبار التجار وهي من البروتستانت مجموعة من رجال
الدين المسيحي للهجرة إلي فلسطين عام 1850 وملكت مساحات شاسعة من الأراضي
وهبتها لإقامة المستوطنات اليهودية وهكذا ساعد البروتستانت اليهود في دخول
فلسطين ، و قام الاتحاد الإسرائيلي العالمي (الاليانس) الذي تأسس عام 1860
باستئجار 2600 دونم لمدة 99 عاماً،أقيمت عليها مدرسة زراعية بدعم من
البارون روتشيلد لتدريب اليهود المهاجرين على الزراعة.
وفى عام 1870
تم تأسـيس مسـتوطنة (مكفا إسرائيل) وتعنى أمل إسرائيل في لواء القدس والتي
أنشأت مدرسه كانت تهدف إلى تزويد المستوطنين اليهود بالخبرة الزراعية
وتقـديم التسهيلات لهم. هذا ويعتبرها المؤرخون اليهود أول مستوطنه زراعية
يهودية في فلسطين.
في عام 1878 قامت مجموعة من اليهود بشراء 3375
دونم من أراضى قرية ملبس وتم تسجيلها باسم النمساوي سلومون، واستمرت
المحاولات اليهودية للسيطرة على الأراضي الفلسطينية حتى عام 1881 الذي
يعتبره المؤرخ اليهودي والترلاكور بداية التاريخ الرسمي للاستيطان اليهودي
في فلسطين بعد أن وصل حوالي 3000 يهودي من أوروبا الشرقية، تمكنوا من
إنشاء عدد من المستوطنات في الفترة من 1882-1884 ، وتوالت فيما بعد عمليات
الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بشتى الوسائل منها الشراء أو الاستئجار
لمدة طويلة ، وقد لعبت المؤسسات اليهودية التي أنشئت لهذا الغرض ومن
بينها:منظمة بيكا التي أسسها روتشيلد، والوكالة اليهودية التي انبثقت من
المؤتمر الصهيوني العالمي الأول عام 1897، والصندوق القومي اليهودي
"الكيرن كايمت" وصندوق التأسيس اليهودي"الكيرن هايسود" والشركة الإنجليزية
الفلسطينية. وبالرغم من إن المستوطنات لم تظهر بشكل منتظم خلال القرن
التاسع عشر إلا في عام 1878،عندما تمكن مجموعة من يهود القدس من تأسيس
مستوطنة بتاح تكفا، وفي عام 1882 ثم إنشاء ثلاث مستوطنات ،هي مستوطنة
ريشون ليتسيون وزخرون يعقوب وروش يبنا،ثم مستوطنتي يسود همعليه وعفرون عام
1883، ومستوطنة جديرا عام 1884، وفي عام 1890 أقيمت مستوطنات رحوبوت
ومشمار هيارون وبعد انعقاد المؤتمر الصهيوني العالمي الثاني عام 1898 أقر
قانون المنظمة الصهيونية العالمية التي أخذت على عاتقها كافة الشؤون
المتعلقة بالاستيطان بعد أن وصل عدد المستوطنات الإسرائيلية الزراعية
إلى"22" مستوطنة، سيطرت على 200 ألف دونم ارتفعت إلى 418 ألف دونم .
وساهم تشكيل المنظمة الصهيونية العالمية بزعامة هرتسل سنة 1897، بوضع حجر
الأساس للمشروع الصهيوني، حيث كان الأساس الأيديولوجي الذي اعتمدته الحركة
الصهيونية، منذ بـدء نشاطها أواخر القرن التاسع عشر- مقولة إن المشروع
الصهيوني هو عودة شعب بلا أرض إلى أرض بلا شعب" .
فعملت المؤتمرات
الصهيونية العالمية بدءاً من المؤتمر الأول على تنفيذ برامجها التي تمحورت
حول برنامج المؤتمر الأول عام 1897،" ويدعو هذا البرنامج إلى العمل على
استعمار فلسطين بواسطة العمال الزراعيين والصناعيين اليهود وفق أسس
مناسبة، وتغذية وتقوية المشاعر اليهودية والوعي القومي اليهودي، واتخاذ
الخطوات التمهيدية للحصول على الموافقة الضرورية لتحقيق غاية الصهيونية،
فقد سعت الحركة الصهيونية خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر إلى
امتلاك أكبر مساحة ممكنة من الأراضي باعتبار ذلك إحدى الركائز الضرورية
لإقامة دوله يهودية على أنقاض فلسطين العربية، ولقد ساعد نظام ملكية
الأراضي الذي كان سائداً في فلسطين ومناطق أخرى من الإمبراطورية العثمانية
آنذاك الصهاينة على تحقيق بعض مخططاتهم في امتلاك الأراضي الفلسطينية
وتهويدها.