بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم تتجاوزا العقد الثالث كما بدا من ملامحهما وثيابهما لكنهما تجاوزتا كل الحدود في طريقة استجدائهما المال من المارة فقد وقفت الفتاتان وسط شارع الكندي في منطقة الحارثية لتستوقفا المارة – من الرجال خصوصا – وترددا احدى كيليشهات التسول المعروفة عن نفاد مالديهما من مال وحاجتهما اليه لشراء دواء لمريضهما ..
لم تكن ملامحهما تشي بالتذلل والتوسل كما هي حال المتسولين بل كانت احداهما تدندن والاخرى تضحك على كل تعليق تطلقه صاحبتها اما عندما يتوقف عدد من الشبان لسماع " كليشتهما " فقد كان الحوار يطول وتمتد شجونه وتتخلله ابتسامات وهمسات لايمكن التكهن بما يكمن وراءها غير انها تنتهي عادة بحصول المتسولتين على مبلغ لايقل عن خمسة آلاف دينار !!
يمكن اعتبار هذا الاسلوب في الاستجداء ظاهرة جديدة تغزو المرائب والشوارع التجارية وتمارسها فتيات ونساء تحمل ملامحهن مسحة جمال ( مطلوبة ) لضمان استحصال المال من التسول و( الدعارة ) معا !!
ولاتتوانى (س ) يوما عن الوقوف في مكانها المعهود في مراب العلاوي وهي تتلفع بعباءة تخفي تحتها ملابس جيدة لتطلب من المارة ولاسيما الرجال مبلغ الف دينار لأنها اضاعت مالديها من مال ولاتملك اجرة العودة الى مدينتها وبرغم اندهاش البعض من ( التسعيرة ) التي تتمسك بها الشابة المتسولة وقناعتهم الكاملة بكذبها عليهم الا انهم يقدمون لها الـ( الف ) دينار ليتخلصوا من الحاحها اما باطن الامر فيبعد عن التسول اميالا لأن المساومة فيه تتم على جسد ( س) ومن خلال ( متعهد ) يراقب عملها ويوفر لها الغطاء الكافي لتختفي مع احد الزبائن لمدة محددة ثم تعود الى مكانها ... ويبدو ان نجاح هذا الاسلوب في التسول وازدهار مهنة ( س) شجعتا المتعهد على استخدام فتاة اخرى تقف بدلا منها وتختفي احيانا لدى قدوم ( س ) بعد ان يكون المتعهد قد رتب لها موعدا هي الاخرى !
مراحل ..للتسول
ينتشر المتسولون في العاصمة بغداد بكثرة منذ سنوات ويتناسلون باستمرار مع تفاقم صعوبة الظروف المعيشية والتفكك الاسري الذي خلفته الحروب فضلا عن انتقال عدد كبير من عوائل ( الغجر ) التي كانت تسكن مناطق ابي غريب والكمالية واستقرارها في الدوائر الحكومية المهجورة والعمارات السكنية التي تعرضت للقصف والتدمير وممارسة افرادها للتسول بجميع انواعه .. ولأن الاسواق الشعبية ومرائب النقل الخاص لاتكفي لأستيعاب اعداد المتسولين ¡ فقد ظهرت شركات مقاولات خاصة للتسول يقوم فيها المقاولون بنقل المتسولين يوميا الى اماكن محددة ليمارسوا فيها مهنتهم بينما يتولى المتعهد مهمة حماية المتسولين وتوفير فرص العمل لهم وضمان عدم تدخل الجهات الامنية في عملهم كما يوفر لهم المأوى والطعام في حين يأخذ منهم كل مايحصلون عليه من مبالغ او نصفها احيانا ..
خليل سلمان / استاذ جامعي في قسم الاجتماع يعد التسول عاهة تشوه جسد العاصمة واتجارا رخيصا بأجساد النساء ومستقبل الاطفال الذين يولدون ليجدوا انفسهم في الشوارع من دون تعليم او حماية اسرية ويرى بان التسول يعكس مدى تقدم مجتمع ما او انهياره داعيا الحكومة والمنظمات المدنية الى محاربة هذه الظاهرة عبر ايجاد منافذ لتشغيل العاطلين عن العمل واعادة تطبيق التعليم الالزامي بالنسبة للأطفال المتسربين من المدارس فضلا عن معاقبة الشبكات المسؤولة عن تفشي هذه الظاهرة ..
من جانبها تخشى (ح) على ابنتها الصغيرة ذات السنوات الاربع من مصيرها ذاته وتقول: انها فكرت في ايداعها في دار للأيتام لأبعادها عن مهنة التسول وماينتظرها من اذلال لكنها لم تجد فيها مايعوضها عن حنانها عليها لذا تحمل ( ح) في اعماقها سرا لاتبوح به لأقرب زميلاتها المتسولات وهو اخفاء شيء من المال الذي تجمعه يوميا ليصبح لديها مايكفي بعد سنتين للهرب بابنتها من واقعها المر الى محافظة اخرى ثم تسجيلها في المدرسة وبرغم عدم وثوق ( ح) الكامل بنجاح خطتها لما يفرضه عليها المقاول والمتعهد من رقابة شديدة الا انها لن تتراجع عن محاولة انقاذ ابنتها مهما كلفها الامر اذ تعد كل طفلة تلد في عالم التسول هي مشروع تجاري في نظر سماسرة الاجساد الذين خرجوا من دائرة الاستهلاك المحلي لأجساد الفتيات الى بيعهن الى شبكات خارج العراق لتحقيق مكاسب اكبر ..
وكانت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية اعلنت قبل اشهر عن تنفيذ حملة وطنية كبرى لمكافحة ظاهرة التسول والتشرد في البلاد وقال مصدر مسؤول في الوزارة: ان اللجنة العليا الخاصة بمكافحة هذه الظاهرة والتي تضم اعضاء من وزارات الدفاع والداخلية والعدل وحقوق الانسان والعمل اعدت خطة تعتمد على التعاون والتنسيق بين وزارات الداخلية والعدل واستهداف تجمعات المتسولين والمشردين الذين يمكن تقسيمهم الى ثلاث فئات هم فئة الاحداث حيث ستتولى دائرة اصلاح الاحداث التابعة للوزارة استيعابهم في اقسامها الاصلاحية في الوقت الذي ستقوم دائرة رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة باستقبال فئة المسنين
وسيتم شمول الفئة الثالثة التي تتجاوز اعمار افرادها الثامنة عشرة ودون سن الشيخوخة ببرنامج شبكة الحماية الاجتماعية شريطة ان يتعهدوا بعدم العودة الى التسول في الشوارع لكن شهورا مضت ومازالت اعداد المتسولين في تزايد واساليبهم في تنوع ومشروعاتهم في ازدهار مادامت هناك ايد خفية تجيد ادارة شبكات التسول والمتاجرة بالاجساد من دون رقيب كما تعلق الدكتورة ماجدة السعيدي المتخصصة في علم الاجتماع والتي تدعو الى تخصيص دراسات موسعة لتحليل حياة المتسولين ومعرفة السبب الذي يجعلهم يحرمون انفسهم طوال الوقت من كل شيء للحصول على المال سواء كانوا مختارين او مجبرين من دون ان يستمتعوا به مادامت تختفي وراءهم قطط سمان تجييد استغلال ذلك المال !!
ارجو ان ينال الموضوع اعجابكم
وارجو مشاركة الرأى
والسلام ختام