بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و صلى الله و سلم وبارك على رسول الله و بعد :
" الجار قبل الدار " ..مقولة شائعة بين الناس ، وعلى قدر الجار يكون ثمن الدار ، والجار الصالح من السعادة.
فضل الإحسان إلى الجار في الإسلام:
لقد
عظَّم الإسلام حق الجار ، وظل جبريل - عليه السلام - يوصي نبي الإسلام -
صلى الله عليه وسلم - بالجار حتى ظنَّ النبي أن الشرع سيأتي بتوريث الجار:
" مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سَيُورِّثه ".وقد أوصى القرآن
بالإحسان إلى الجار: ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ
وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ )[النساء: 36].
وانظر
كيف حض النبي - صلى الله عليه وسلم - على الإحسان إلى الجار وإكرامه: "...
ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ". وعند مسلم: " فليحسن إلى
جاره ".
بل
وصل الأمر إلى درجة جعل فيها الشرع محبة الخير للجيران من الإيمان ، قال -
صلى الله عليه وسلم -: " والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما
يحب لنفسه ".
والذي يحسن إلى جاره هو خير الناس عند الله: " خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره ".
من صور الجوار:
يظن
بعض الناس أن الجار هو فقط من جاوره في السكن ، ولا ريب أن هذه الصورة هي
واحدة من أعظم صور الجوار ، لكن لا شك أن هناك صورًا أخرى تدخل في مفهوم
الجوار ، فهناك الجار في العمل ، والسوق ، والمزرعة ، ومقعد الدراسة ،...
وغير ذلك من صور الجوار.
من حقوق الجار:
لا شك أن الجار له حقوق كثيرة نشير إلى بعضها ، فمن أهم هذه الحقوق:
1 - رد السلام وإجابة الدعوة:
وهذه
وإن كانت من الحقوق العامة للمسلمين بعضهم على بعض ، إلا أنها تتأكد في حق
الجيران لما لها من آثار طيبة في إشاعة روح الألفة والمودة.
2 - كف الأذى عنه:
نعم
فهذا الحق من أعظم حقوق الجيران ، والأذى وإن كان حرامًا بصفة عامة فإن
حرمته تشتد إذا كان متوجهًا إلى الجار ، فقد حذر النبي - صلى الله عليه
وسلم - من أذية الجار أشد التحذير وتنوعت أساليبه في ذلك ، واقرأ معي هذه
الأحاديث التي خرجت من فم المصطفى - صلى الله عليه وسلم -:
· "والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن. قيل: مَنْ يا رسول الله ؟ قال: مَن لا يأمن جاره بوائقه ".
·
ولما قيل له: يا رسول الله! إن فلانة تصلي الليل وتصوم النهار ، وفي
لسانها شيء تؤذي جيرانها. قال: "لا خير فيها ، هي في النار ".
وجاء
رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يشكو إليه أذى جاره. فقال: " اطرح
متاعك في الطريق ". ففعل ؛ وجعل الناس يمرون به ويسألونه . فإذا علموا
بأذى جاره له لعنوا ذلك الجار . فجاء هذا الجار السيئ إلى رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - يشكو أن الناس يلعنونه. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "
فقد لعنك الله قبل الناس ".
3 - تحمل أذى الجار:
وإنها
والله لواحدة من شيم الكرام ذوي المروءات والهمم العالية ، إذ يستطيع كثير
من الناس أن يكف أذاه عن الآخرين ، لكن أن يتحمل أذاهم صابرًا محتسبًا
فهذه درجة عالية: ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ
)[المؤمنون: 96]. ويقول الله - تعالى -: ( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ
ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ )[الشورى: 43]. وقد ورد عن الحسن - رحمه
الله - قوله: ليس حُسْنُ الجوار كفّ الأذى ، حسن الجوار الصبر على الأذى.
4 - تفقده وقضاء حوائجه:
إن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ما آمن بي من بات شبعانًا وجاره
جائع إلى جنبه وهو يعلم ". وإن الصالحين كانوا يتفقدون جيرانهم ويسعون في
قضاء حوائجهم ، فقد كانت الهدية تأتي الرجل من أصحاب النبي - صلى الله
عليه وسلم - فيبعث بها إلى جاره ، ويبعث بها الجار إلى جار آخر ، وهكذا
تدور على أكثر من عشرة دور حتى ترجع إلى الأول.
ولما
ذبح عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - شاة قال لغلامه: إذا سلخت فابدأ
بجارنا اليهودي. وسألت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -: إن لي جارين ، فإلى أيهما أهدي؟ قال: " إلى أقربهما
منكِ بابًا ".
5 - ستره وصيانة عرضه:
وإن
هذه لمن أوكد الحقوق ، فبحكم الجوار قد يطَّلع الجار على بعض أمور جاره
فينبغي أن يوطن نفسه على ستر جاره مستحضرًا أنه إن فعل ذلك ستره الله في
الدنيا والآخرة ، أما إن هتك ستره فقد عرَّض نفسه لجزاء من جنس عمله: (
وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) [فصلت: 46].
وقد كان العرب يفخرون بصيانتهم أعراض الجيران حتى في الجاهلية ، يقول عنترة:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي ....... حتى يواري جارتي مأواها
وأما في الإسلام فيقول أحدهم:
ما ضـر جاري إذ أجاوره *** ألا يـكــون لبـيـته ســــتـر
أعمى إذا ما جارتي خرجت *** حتى يواري جارتي الخدر
وأخيرًا
فإننا نؤكد على أن سعادة المجتمع وترابطه وشيوع المحبة بين أبنائه لا تتم
إلا بالقيام بهذه الحقوق وغيرها مما جاءت به الشريعة ، وإن واقع كثير من
الناس ليشهد بقصور شديد في هذا الجانب حتى إن الجار قد لا يعرف اسم جاره
الملاصق له في السكن ، وحتى إن بعضهم ليغصب حق جاره ، وإن بعضهم ليخون
جاره ويعبث بعرضه وحريمه ، وهذا والله من أكبر الكبائر. سئل النبي - صلى
الله عليه وسلم -: أي الذنب أعظم؟ ". عدَّ من الذنوب العظام: " أن تزاني
حليلة جارك ".
نسأل الله أن يعيننا والمسلمين على القيام بحقوق الجوار .
وصلى الله على نبينا محمد و الحمد لله رب العالمين