أخي في الله, أختي االغالية
كثير من المسلمين اللذين لم يهيئوا انفسهم و لم يعدوها للمصائب يصابون بحالات من الاحباط والانهيار بمجرد وقوع أي مصيبة حتى و لوكانت يسيرة او صغيرة.
ان توطين النفس على المصائب لا يجوز ان يتجاوزها الى حد الوسوسه .
ففرق كبير بين توطين النفس لاجل ان يوفق العبد للصبر و الثبات و الاحتساب و بين ان يحول
المرء حياته الى كوابيس و شكوك ووسوسة، فتراه كثير القلق و الهلع والتشاؤم.
فاذا تأخر احد ما كان قد واعده ، قال مباشرة لابد ان يكون قد وقع حادث .
و اذا شكى من وجع ما ، قال لابد ان هذا مرض خطير.
واشباه ذلك مما يقع فيه الكثير من الناس. ولا شك أن هذا مخالف للفأل الذى امر به النبي صلى
الله عليه وسلم.
أخي الحبيب, أختي االغالية
وفي المقابل فعلى الانسان ان يكون مقيما على طاعة الله مرتبطا به ليثبته الله عند الشدائد والمصائب.
ومما يعين على الصبر حين المصائب:
أولا : ان يؤمن المسلم ايمانا شرعيا صحيحا بالقضاء و القدر .
انه الركن السادس من اركان الايمان.
قال تعالى: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها،
إن ذلك على الله يسير ، لكي لا تأسوا على مافاتكم ولاتفرحوا بما آتاكم.
و قال تعالى : إنا كل شيء خلقناه بقدر .
أي ان كل شى فى هذا الكون يسير بقدر الله ،علمه الله قبل حدوثه ، و كتبه و قدره و خلقه.
فالله هو العليم الحكيم.
و لذلك فان المؤمنين هم اقل الناس تأثرا بالمصائب فكلما زاد ايمان العبد زادت قوته عند المصائب.
وقد قيل : من عرف الله هانت مصيبته.
فاذا كان الامر قد قضاه الله وأذن به و رضيه ، فلماذا لا يرضى المسلم بما رضيه الله له ؟
تأمل يا اخي فى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما
حين قال له :
واعلم ان الامة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك .
و لو اجتمعوا على ان يضروك بشيء لم يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك .
رفعت الاقلام وجفت الصحف.
حديث صحيح - المحدث:الترمذي - المصدر:سنن الترمذيثانيا : و مع ايمان المسلم بالقدر لابد أن يقترن ذلك بتذكر سعة رحمة الله.
فالله تعالى هو الذي يقدر هذه المصائب وهو القائل: ورحمتي وسعت كل شيء.
فعليك أن تظن بالله خيرا فى كل احوالك ، و تذكر قوله تعالى:
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
ثالثا : ان يظن المسلم دائما بالله خيرا .
لان الله يقول فى الحديث القدسى : أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء .
و قال صلى الله عليه وسلم : عجبا للمؤمن ،لا يقضى الله له شيئا الا كان خيرا له .
رابعا : أن يتذكر المسلم دائما نعم الله التي لاتحصى ولا تعد .
فتأمل فى النعم التى اسداها الله عليك واهمها واعظمها نعمة الاسلام و نعم أخرى لا تعد ولا
تحصى مثل نعمة سنة رسول الله ونعمة التوحيد ونعمة الصحة ونعمة الايمان ونعم لا تحصى .
فما مكان هذه المصيبة التى تصيبك بجانب هذه النعم المتكاثره التي لا تعد ولا تحصى؟
خامسا :أن يتفكر المسلم لعل الله قد صرف عنه ما هو أعظم.
ونتساءل هنا من منا اذا اصابته مصيبة قال فى نفسه :
لعل الله قد صرف عني بهذه المصيبة ما هو اشد و اعظم ؟
قيل ان اعرابية سمعت صراخا فى احد البيوت فقالت: ما هذا ؟
فقيل لها : ان هؤلاء قد مات لهم انسان .
فقالت: ما اراهم الا من ربهم يستغيثون وبقضائه يتبرمون وعن ثوابه يرغبون.
سادسا : أن يحتسب المسلم الاجر بالصبر و الرضا و الحمد.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
يقول الله تعالى : ما لعبدي المؤمن عندي جزاء ، إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم
احتسبه ، إلا الجنة .
حديث صحيح - المحدث:البخاري - المصدر:صحيح البخاري
وقال بعض السلف:
اذا أصابتني مصيبة فاني احمد الله ثلاث مرات . أحمده أولا ان المصيبة لم تكن فى ديني.
ثم اني أحمده ثانية أنها لم تكن أكبر مما وقعت .
و احمده ثالثة أنه وفقني للحمد والاسترجاع .
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه ، حتى الشوكة يشاكها .
حديث صحيح - المحدث:البخاري - المصدر:صحيح البخاري
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
لا يصيب المؤمن من مصيبة ، حتى الشوكة ، إلا قص بها من خطاياه ، أو كفر بها من خطاياه .
حديث صحيح - المحدث:مسلم - المصدر:صحيح مسلم
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون . اللهم أجرني في مصيبتي
وأخلف لي خيرا منها - إلا أجره الله في مصيبته . وأخلف له خيرا منها .
قالت : فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فأخلف الله لي خيرا منه . رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حديث صحيح - المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم .
عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
إذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي،
فأجرني فيها ، وأبدلني بها خيرا منها .
حديث صحيح - المحدث: السيوطي - المصدر: الجامع الصغير
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
عجبت للمؤمن إذا أصابته مصيبة احتسب و صبر ، و إذا أصابه خير حمد الله و شكر ،
إن المسلم يؤجر في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى فيه .
حديث صحيح - المحدث:الألباني - المصدر:صحيح الجامع
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته و أحسن معونته و جعل له خلفا صالحا يرضاه .
حديث حسن- المحدث:ابن حجر العسقلاني - المصدر:الفتوحات الربانية
ونختم بهذا الحديث الذي حدث به ابن عبدالبرعن معاوية بن قرة ، عن أبيه :
أن رجلا جاء بابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتحبه ؟
فقال : أحبك الله كما أحبه يا رسول الله .
فتوفى الصبي ، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال أين فلان ؟
فقالوا : يا رسول الله ، توفى ابنه .
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أما ترضى أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة ، إلا جاء حتى يفتحه لك ؟
فقالوا : يا رسول الله ، أله وحده أم لكلنا ؟ فقال : لا بل لكلكم .
ثم ننهي المقال بهذا الكلام الجميل لابن القيم ـ رحمه الله تعالى اذ يقول :
والله سبحانه إذا أراد بعبد خيرًا سقاه دواء من الابتلاء والامتحان على قدر حاله يستفرغ به من
الأدواء المهلكة، حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه، أهَّلَه لأشرف مراتب الدنيا، وهي عبوديتُه، وأرفع
ثواب الآخرة، وهو رؤيته وقربه .