لا يتسع المجال لذكر جميع من تجبر في الأرض و استكبر و عتي عتوا كبيرا
لكن على سبيل المثال هناك الوليد بن المغيرة المخزومي الذي نزلت في حقه سبع بضع آيات من سورة المدثر:
" ذرني و من خلقت وحيدا و جعلت له مالا ممدودا و بنين و شهودا و مهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا انه كان لآياتنا عنيدا، سأرهقه صعودا"
و قد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقرا قوله تعالى:
" حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب و قابل التوبة شديد العقاب ذي الطول"
فتفطن النبي صلى الله عليه و سلم أن الوليد المخزومي يستمع إليه فأعاد القراءة و قد أخذت بمجامعه هذه الآيات فذهب إلى قومه و قال لهم: و الله لقد سمعت من محمد كلاما !!
ما هو من كلام الإنس و لا هو من كلام الجن
و الله إن له لحلاوة و إن عليه لطلاوة و إن أعلاه لمثمر و إن أسفله لمغدق و انه يعلو و لا يعلى عليه.
و لكن رغم هذا الاعتراف فقد تنكر للقران و تجبر و طغى و تطاول على رسول الله صلى الله عليه و سلم و طعن فيه و في صدقه
فجاء الرد الإلهي بقوله سبحانه:" ذرني و من خلقت وحيدا" إلى آخر الآية. و هي عبارة عن تهديد ووعيد
و الصفات التي منحه الله تعالى إياها بان جعل له مالا ممدودا و قد كان غنيا و له أراضي شاسعة
و يقال له أن له بستانا لا تنفذ ثماره صيفا و شتاء و له من الأموال ما لا يتصوره احد
ووصف القران بان له بنين شهودا أي حاضرين في المحافل و الأندية.
كما قال المولى سبحانه و مهدت له تمهيدا أي منحت له كل ما أراد ووطأت له الأمور جميعها و سهلت له الأشياء تسهيلا و هو وصف عام
و يشمل سائر المنح الدنيوية و حتى الخلقية فكان جميل الصورة إلى أن سماه قومه: ريحانة قريش.
و بعد كل هذا المجد الدنيوي قال تعالى:" ثم يطمع أن أزيد كلا " الاية و من هذا الزجر و التهديد و الوعيد
توقفت الزيادة في ماله و أصبح النقص يدب شيئا فشيئا و تتلاشى أمواله لأنه كان لآيات الله عنيدا متجبرا متكبرا ظانا أن ذلك من جهده
و ما هو إلا من عند الله و قد مات فقيرا معدما و في الآخرة قال المولى:" سأرهقه صعودا" ساحله عذابا منسوبا إلى صعود جبل في جهنم
على اصح الأقوال يصعد فيها الآثم المعاقب و لا يصل إلى أعلاه و يسقط بين الفينة و الأخرى ثم يعاود الصعود و هكذا..
و العبرة من هذه الآية أن من أغواه المال أو الجاه أو النسب أو السلطة أو من أغواه علمه و قوته مع ارتكاب المعاصي و مختلف الشرور مصيره الويل و الثبور
و المثال الذي رأيناه الوليد بن المغيرة الذي أخذه الخالق أخذا وبيلا و أيضا فرعون و قارون و كل من يشبههم في طغيانهم و تجبرهم في سائر الأزمنة، فان الله يمهل و لا يهمل، و لابد من يوم يأتي الموت إلى هؤلاء الجبابرة أما يوم لقاء الله فهماك ما لا يمكن تخيله من سوء العذاب و هذا مآل أرباب الكبر و الجبروت على حد تعبير الأستاذ علي العلوي من المغرب. فلنأخذ العظة و الدرس من القرآن الكريم، و لنكون أكثر تواضعا و تسامحا و ليونة لعل الله يرحمنا بفضله و مننه .
بقلم الصحفي والكاتب/ حسن الأشرف