الضفة الغربية / غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
"إنه لمن دواعي الأسف أن أجد نفسي مضطرا للاعتراف بإعجابي وتقديري بهذا الرجل (يحيى عياش) الذي يبرهن على قدرات وخبرات فائقة في تنفيذ المهام الموكلة إليه، وعلى قدرة فائقة على البقاء وتجديد النشاط دون انقطاع". هكذا يصف شمعون رومح أحد كبار العسكريين الصهاينة الشهيد المهندس يحيى عياش، هذا الرجل الذي دوَّخ الاحتلال الصهيوني وجيشه الجبان، فنال منهم عشرات المرات قبل أن يرتقي شهيدا في مثل هذا اليوم وتحديدا قبل 15 عاما.
الميلاد وحفظ القرآن الكريم
ولد القائد المهندس يحيى عبد اللطيف عياش في السادس من مايو عام 1966م، في قرية رافات الواقعة بين نابلس وقلقيلية، وبدأ يحفظ القرآن في السادسة من عمره، ونشأ في رحاب المساجد، وبرع في علم الكيمياء، ودرس في قريته حتى أنهى المرحلة الثانوية فيها بتفوق أهَّله للدراسة في جامعة بيرزيت وتخرج من كلية الهندسة قسم الهندسة الكهربائية في عام 1988م، وهو متزوج من إحدى قريباته وأنجب منها ولدين هم البراء ويحيى.
وكان الشهيد المهندس أحد نشطاء الكتلة الإسلامية، ولم يمنعه ذلك من إتمام دراسته بتفوق، وبعد التخرج حاول الحصول على تصريح خروج للسفر إلى الأردن لإتمام دراسته العليا لكن سلطات الاحتلال الصهيوني رفضت طلبه.
عياش يكتب رسالة إلى حماس
وتعتبر الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت في ديسمبر 1987م هي بدايته بأعمال المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني، وكان عمره وقتها 21 عاماً، حيث كتب رسالة إلى حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وتحديداً لكتائب عز الدين القسام يوضح لهم فيها خطه لمقاومة الاحتلال عبر العمليات الاستشهادية، وهي نوع جديد من المقاومة لم يكن قد ظهر بفلسطين بعد، وقد أعطى قادة الكتائب له الضوء الأخضر، وأصبحت مهمته إعداد السيارات المفخخة والعبوات شديدة الانفجار، وقد استطاع أن ينقل المعركة إلى قلب المناطق الآمنة التي قال الصهاينة أن أجهزتهم الأمنية تسيطر فيها على الوضع تماماً، فبعد العمليات المتعددة التي نفدت ضد مراكزهم ودورياتهم العسكرية، واصل مجاهدو الكتائب أعمال المقاومة بتخطيط من الشهيد المهندس آنذاك كونه قائدهم ومخطط لعدد من العمليات الفدائية الهامة والمؤثرة، لتبلغ خسائر الصهاينة في عملياته أكثر من 76 قتيلا و400 جريحا.
مهندس السيارات المفخخة
ومنذ 25 أبريل 1993 عرفت المخابرات الصهيونية اسمه كمهندس للعبوات المتفجرة والسيارات المفخخة وبدأت بعمليات مراقبته للقبض عليه.
وعقب مذبحة المسجد الإبراهيمي في فبراير من العام 1994 طور الشهيد المهندس عياش أسلوبا بالعمليات الاستشهادية، واعتبر مسؤولاً مباشرات عن سلسلة من العمليات الاستشهادية، مما جعله هدفاً مركزياً لقوات وجيش الاحتلال الصهيوني.
وركزت سلطات الاحتلال الصهيوني نشاطها للنيل من المهندس الشهيد عياش، ولما أدرك أن الخناق الأمني الصهيوني يزداد ضيقا من حوله، قرر الانتقال إلى غزة، وبالفعل تمكن من الدخول إلى قطاع غزة.
خطر داهم
وبعد أربع سنوات تمكن جهاز الشاباك من الوصول إلى معلومات عنه، فبعد أن استطاع أن يتسلل إلى قطاع غزة عبر دائرة الأشخاص الأقرب إليه، لجأ إلى صديقه القيادي في حماس أسامة حماد قبل خمسة أشهر من اغتياله حيث آواه في منزله دون أن يعلم أحد، وكان "كمال حماد" -خال أسامة- يعمل عميلا لجهاز الأمن الداخلي الصهيوني (الشاباك)، فأخذ يُلمح لأسامة بإمكانية إعطائه جهاز تليفون محمول لاستخدامه، وكان كمال يأخذ المحمول ليوم أو يومين ثم يعيده، وقد اعتاد والد عياش الاتصال به عبر المحمول، وقد طلب عياش منه مراراً الاتصال على الهاتف المنزلي، وقد اتفق يحيى مع والده على الاتصال به صباح الجمعة على الهاتف المنزلي.
استشهاد يحيى عياش
وفي صباح يوم الجمعة الموافق الخامس من يناير 1996م، اتصل العميل "كمال حماد" بأسامة وطلب منه فتح المحمول لأنه يريد الاتصال من "إسرائيل" واتضح أن خط هاتف البيت مقطوع، وفي الساعة التاسعة صباحاً اتصل والد يحيى على الهاتف المتنقل، وقد أبلغ أسامة أنه لم يستطع الاتصال على الهاتف المنزلي، وما كاد يحيى أن يمسك بالهاتف ويقول لوالده: "يا أبي لا تتصل على المحمول..." إلا انفجر الهاتف به، وتبين فيما بعد أن عبوة ناسفة تزن 50 جراماً قد انفجرت في الهاتف النقال".
العدو معجب بعقليته الفذّة
ويصف شمعون رومح أحد كبار العسكريين الصهاينة الشهيد المهندس يحيى عياش بالقول: "إنه لمن دواعي الأسف أن أجد نفسي مضطرا للاعتراف بإعجابي وتقديري بهذا الرجل (عياش) الذي يبرهن على قدرات وخبرات فائقة في تنفيذ المهام الموكلة إليه، وعلى قدرة فائقة على البقاء وتجديد النشاط دون انقطاع".
ولم يكن شمعون وحده هو المعجب بالرجل، لكن وسائل الإعلام الصهيونية كلها هي الأخرى شاركته الإعجاب حتى لقبته بـ: "الثعلب" و"الرجل ذو الألف وجه" و"العبقري"، كما بلغ الهوس الصهيوني ذروته حين قال رئيس وزراء الصهيوني آنذاك إسحاق رابين: "أخشى أن يكون عياش جالسًا بيننا في الكنيست"، وقال أيضًا: "لا أشك أن المهندس عياش يمتلك قدرات خارقة لا يملكها غيره، وإن استمرار وجوده طليقًا يمثل خطرًا واضحًا على أمن إسرائيل واستقرارها".
أقلق منام العدو الصهيوني
وبذلك تنطوي صفحة مشرقة في حياة الرجل الذي دوّخ الاحتلال الصهيوني على مدار شهور متعاقبة، أقلق فيها منامه وأمنه إلى أبعد الحدود، ولكن وبعد رحيل القائد عياش، لم يركن مجاهدو كتائب القسام إلى الراحة ولم يخلدوا إلى الاستراحة، بل نفذت كتائب القسام سلسلة من العمليات ثأراً لاستشهاده حيث أدت تلك العمليات الاستشهادية إلى مقتل ما يزيد عن 70 صهيونيا وجرح المئات من المحتلين. |