ولقد جاءت الآيات والأحاديث متضافرة مشهورة معلومة ، دالة على وجوب العدل ، محذرة من الحيف والظلم والجور ، أو التفريق بين الأبناء في الهبات والعطايا ، فمن الكتاب العزيز :
1- قوله تعالى : " وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم " .
2-
قال تعالى : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون " .
3-
قال تعالى : " وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون " .
وأما الأدلة على العدل من السنة المطهرة فإليكم طرفاً منها :
1- عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولُوا " [ أخرجه مسلم واللفظ له والنسائي ] .
2-
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة ، فإذا أوصى وصية حاف في وصيته فيختم له بشر عمله ، فيدخل النار ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة ، فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله ، فيدخل الجنة " قال أبو هريرة : واقرأوا إن شئتم { تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين } " [ أخرجه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح غريب ، وأخرجه ابن ماجة ] .
3-
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، أن أمه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهوبة من ماله لابنها فالتوى بها سنة ، ثم بدا له ، فقالت : لا أرضى حتى تُشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وهبت لابني ، فأخذ أبي بيدي ، وأنا غلام فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله إن أم هذا ، بنت رواحة أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بشير ألك ولد سوى هذا ؟ قال : نعم ، فقال : " أكلهم وهبت له مثل هذا ؟ قال : لا ، قال : " فلا تشهدني إذاً ، فإني لا أشهد على جور " [ أخرجه مسلم ] .
4-
وعند البخاري والنسائي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فكل بنيك نحلت مثل الذي نحلت النعمان ؟ قال : لا ، قال : فأشهد على هذا غيري ، قال : " أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء ؟ قال : بلى ، قال فلا إذاً " .
5-
وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أشهد ، إني لا أشهد إلا على حق " . وفي رواية عند البخاري : " اعدلوا بين أولادكم في العطية " ، وفي رواية أخرى أيضاً عند البخاري : " أعطيت سائر ولدك مثل هذا ؟ قال : لا ، قال : " فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم " قال : فرجع فرد عطيته .
6-
وفي رواية قال له : " فاردده " ، فرجع في هبته .
7-
وروى ابن أبي الدنيا بسنده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اعدلوا بين أولادكم في النحل ، كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف " [ حديث صحيح 1 172 ] .
8-
قال صلى الله عليه وسلم : " اعدلوا بين أبنائكم ، اعدلوا بين أبنائكم " [ أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم بسند صحيح ، وصححه الألباني ] .
9-
وفي صحيح مسلم أن امرأة بشير قالت له : انحل ابني غلاماً وأشهد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلاماً ، قال : " له أخوة " ، قال : نعم ، قال : " أفكلهم أعطيت مثل ما أعطيته ؟ " قال : لا ، قال : " فليس يصلح هذا ، وإني لا أشهد إلا على حق " .
10-
وقال الحسن : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه إذ جاء صبي حتى انتهى إلى أبيه ، في ناحية القوم ، فمسح رأسه وأقعده على فخذه اليمنى ، قال : فلبث قليلاً ، فجاءت ابنة له حتى انتهت إليه ، فمسح رأسها وأقعدها في الأرض ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فهلا على فخذك الأخرى " ، فحملها على فخذه الأخرى ، فقال صلى الله عليه وسلم : " الآن عدلت " .
11-
وروي عن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله ضم ابناً له ، وكان يحبه ، فقال : يا فلان ، والله إني لأحبك ، وما أستطيع أن أوثرك على أخيك بلقمة . [ إسناده مقبول ] .
12- ويهيمن على كل تلك الأدلة هذا الدليل العظيم الخطورة ، الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " [ متفق عليه ] .
ومن لم يعدل بين أولاده أو يساوي بينهم بالمعروف وبالحق والقسطاس المستقيم ، فقد نكب عن جادة الصواب ، وغالط نفسه ، ولم يأبه بالأدلة ، فهو غاش لأولاده ، وظالم في عدم التسوية بينهم . فهو مستحق للعقوبة والعياذ بالله .